كتب الزرادشتية واعتنقها وعمل بها فأرجع لها بعض سلطانها الذي فقدته أثناء ملوك الطوائف.
كان ضياع جزء من كتاب زرادشت إبان الفتح المقدوني مما أوهن الزرادشتية أيام ملوك الطوائف وهيأ لقوم الإتيان بآراء ومذاهب جديدة لم يأت بها زرادشت وحكماؤه، كما هيأ الفرصة لإحياء كثير من الخرافات والعقائد القديمة التي هي أدنى إلى عقول العامة من الصفوة التي اختارتها الزرادشتية، لكن ذلك لم يمحها ويستأصلها، فقد بقيت حية في فارس أثناء حكم ملوك الطوائف على ضعف واستحياء، فلما جاء بنو ساسان أنهضوها وشدوا سلطانها وجعلوها دينهم الرسمي، وظلت قائمة حتى بعد فتح المسلمين فارس، وكانت قد تسللت في الجاهلية إلى البلاد العربية ودانت بها بعض قبائلها النازلة على حدود فارس، وآمن بها بعض الصحابة قبل إسلامهم، وكان يدين بها كثير من الفرس في العصر الإسلامي عن رضا من المسلمين عندما سنوا بهم سنة أهل الكتاب كما بينا في مقال سابق فتركوهم عليها واكتفوا منهم بالجزية، وكان مما أيدها أن فرض المسلمون الجزية على من أسلم ومن بقي على عقيدته على السواء في أكثر سني الحكم الأموي والعباسي، وقد اصطنع المسلمون كثيراً من أهلها في الأعمال التي يجهلها الحكام المسلمون كأعمال الدواوين، بل كان لأهلها ضلع في انتصار العباسيين على الأمويين، ودارت بينهم وبين المسلمين مجادلات في العهدين معاً، وتبادلوا في ذلك كتب الجدل، وكانت لهم أياد على كثير من العلوم المحدثة في الإسلام إلى وقت متأخر، ويقول الأستاذ لينجوبرث (إن القصص التي يستطاع إرجاعها إلى أفستا بقيت معروفة في زرنكة حتى زمن الفردوسي سنة ١٠٠٠ م) وكان لهذه القصص فضل على الفردوسي إذ كانت بعض مادته تأليف الشاهنامه، وقد انتشرت الزرادشتية حتى فيما وراء بلاد فارس كالصغد وبلاد الترك قديماً فيما وراء النهر في العصر الإسلامي فقد امتدت إلى هذه البلاد في القرن التاسع الميلادي، وكانت في الهند في القرن الرابع عشر الميلادي وأهلها يسمون هناك الإكنواطرية، بل لقد نشرها هؤلاء الهنود وإخوانهم من الفرس فيما حول باكو في القرن الثامن عشر، وهم لا يزالون إلى الآن بالهند ويسمون الفرسيين، وكان أولهم قد هاجروا إليها من فارس عندما فتحها المسلمون ولم يضعف شأن الزرادشتية - إلى ما قدمنا - إلا مرقيون وابن ديصان