الاستطلاع والمشاورة كما قدمنا في بيان مذهبه، ومن أجل ذلك نحن في غنى عن الخلاف الذي أشار الشهرستاني والمسعودى والقلقشندي فيما إذا كان هذا الكتاب من تصنيف زرادشت أم هو وحي نزل عليه من السماء، وقد كان لهذا الكتاب أثره في نشأة الزندقة واشتقاق لفظها نرجئ بيانه إلى موضعه من هذا البحث حيث الكلام في المانوية لأنه بهم أمس ولبيان مذهبهم ألزم، ونشير هنا إلى أن كيستاسب الملك صان هذا الكتاب في هيكل باصطخر ووكل به الهرابذة بعد كتابته بالذهب على جلود البقر ومن أجل ذلك سمي ذلك المكان (دزنبشت) أي حصن الكتاب و (كوه نبشت) أي جبل الكتاب، وهناك بناء فخم على هيئة برج ما يزال إلى اليوم يعرف بكعبة زرادشت في أطلال مدينة اصطخر عاصمة الفرس أيام الدولة الساسانية وهي بالقرب من مدينة برسبوليس عاصمتهم أيام الدولة الكيانية.
سادت الزرادشتية البلاد الفارسية ودان بها الملوك والعامة منذ ظهر زرادشت، فقد بذل كيستاسب جهداً جباراً لحمل الناس عليها وتعرض من أجلها لثورة من أحد عماله وفقد فيها ابنه وكادت تدك ملكه لولا أن أسعفه الحظ بموت غريمه، وقد بذل الملوك بعده جهدهم حتى استأثرت الزرادشتية بفارس وبقيت متسلطة عليها حتى كانت موقعة أربل بين الإسكندر الأكبر ودارا الثالث سنة ٣٣١ ق. م وانهزم دارا فضاع استقلال فارس وانهارت الوحدة الفارسية، وعم الاضطراب البلاد طوال حكم ملوك الطوائف الذين حكموا البلاد متفرقين أكثر من خمسة قرون ونصف قرن بدأت عقب هزيمة دارا آخر ملوك الكيانية سنة ٣٣١ ٌق. م وانتهت بقيام أردشير بن بابك بن ساسان أول ملوك الساسانية سنة ٢٢٦ موران عليها طول تلك المدة الانحلال العقلي والخلقي والسياسي، وكان لذلك كله أثره في ضعف الزرادشتية، ويقال إن الإسكندر أحرق كثيراً من كتب الفرس العلمية وفيها جزء كبير من كتاب زرادشت وأحرق وهدم كثيراً من الآثار الفارسية المكتوبة على الخشب والمباني ونقل كثيراً منها إلى مصر وبلاد اليونان وكان قد أمر بترجمة بعض ما وجد من كتب فلما ترجمه أحرق أصوله، فلما قام أردشير ابن بابك سنة ٢٢٦ مووحد البلاد الفارسية وحاول ما استطاع أن يجمع ما تفرق من هذه الذخائر وبعث في طلبها الرسل إلى الهند والصين ومصر وبلاد الروم، وجعلها أساس النهضة العلمية في فارس، كما جمع ما استطاع من