للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الدولة العباسية بعد الأموية، وللزنادقة مهديوهم المنتظرون كلما ساءت الأحوال واحتاج الأمر إلى مخلص، فمنهم ماني ومزدك وأبو مسلم الخراساني والمقنع صاحب الزنادقة المبيضة وعبد القهار صاحب المحمرة في عهد المهدي العباسي، ومنهم بعده بابك الخرمي صاحب الفتنة التي وقفت الخلافة عاجزة عن إطفائها نحو عشرين سنة. . . وقد كان لفكرة المنقذ أثر كبير في الزنادقة، وإن كان هذا الأثر فيما نرجح يرجع أكثر ما يرجع إلى إيحائه في النفوس كلما تعقدت الأمور الاجتماعية واحتاج الحال إلى منقذ. فأثر هذا الإيحاء أكثر من أثر الاطلاع على ما كتب زرادشت وغيره.

قدمنا أن زرادشت خلف مذهباً وكتاباً.

فأما المذهب فقد تحدثنا بما يهمنا منه فيما سبق بقدر ما يسع المقام، وقد اتضح لنا من بيان ما بينا منه أن زرادشت كان فيلسوفاً ومصلحاً ومشرعاً ولم يكن نبياً ولا متنبئاً ولا صاحب دين كما نفهم من معنى الدين بالرغم من أن مذهبه يحتوي على بعض الشعائر والآراء التي تحسب من الدين، فليس المقصود بتلك الآراء في الكون إلا أن تكون أساساً للآراء الفلسفية والتشريعات الإصلاحية التي هي عماد المذهب وأهم ما فيه، كما أن تلك الشعائر القليلة لم يقصد بها التعبد المحض بل الرياضة النفسية ومثلها في ذلك مثل نظيرتها في الفلسفة البوذية والبرهمية في الهند والكنفشيوسية في الصين، بدليل تفضيل زرادشت العمل في الحياة على الصلاة والصوم والأدعية والقرابين، فعنده أن من يصلح الأرض ويبذر فيها الحب ويرويها أفضل ممن يقرب ألف قربان ومن يصلي عشرة آلاف صلاة وممن يدعو عشرة آلاف دعاء، بل إنه حرم الصوم لأنه يضعف الإنسان.

وأما الكتاب الذي جاء به زرادشت فهو أفستا ويظهر أن هذا الكتاب كان يحتوي على آراء غامضة رفيعة لا قبل للعقول العادية حينذاك بفهمها وقبولها بدليل عجز الكثير منهم عن ذلك مما جعلهم يحيطونه بكثير من الخرافات، وبدليل ما أدى إليه غموضه عند الكثير من اضطرار زرادشت إلى شرحه بكتاب يسمى (زندافستا - ثم إلى شرحه الشرح بكتاب سماه (بازند) ثم إلى شرح علمائهم هذا الشرح بكتاب سموه يازده، وبدليل ثالث هو منع كيستاسب تعليمه العامة، وقد قدمنا الكلام في هذا التحريم وسداد رأى كيستاسب فيه، ولم يكن لزرادشت في هذا الكتاب الأفضل تقييد ما ارتضى هو وحكماء الفرس من آراء بعد

<<  <  ج:
ص:  >  >>