وانتقل الخلاف إلى خارج البرلمان فانقسم الناس فريقين: أنصار النيوريتانز، وأشياع الملك وكبير الأساقفة
وظهر الجانب السياسي من تفكير البيوريتانز يومئذ في وضوح، وأخذوا يشيعون آراءهم في الناس؛ فالناس جميعا أمام الله سواء، ولا يكون الخوف إلا من الله وحده، والعدالة الاجتماعية وإقرار الحق في كل أمر هما دعامتا المجتمع الأساسيتان إلى غير ذلك من الآراء الحرة التي تناهض الاستبداد والطغيان.
وأما في الدين، فلم يبرح البيوريتانز يعلنون مقتهم لكنيسة روما وللنظام الأسقفي وازدراءهم لهما، وما يرجوا كذلك ينسبون إلى القساوسة أنهم هم الذين يوحون إلى الملك طغيانه وعلى الأخص كبيرهم وليم لود، وراحوا يذيعون أن لا حاجة بالناس إلى أخذ الدين عن القساوسة، فلكل امرئ الحرية أن يتفقه في دينه مستعيناً بكلام الله، وإذا فلم لا يستغني الناس عن الأساقفة ولم يعد لهم ما سلف من خطر؟
وتمسك لود وحزبه بوجوب طاعة الملك، وأعلنوا أن لا غنى للدولة عن النظام الأسقفي، وأن الكنيسة هي دعامة الملك والمجتمع، فإذا قضى عليها شاعت الفوضى في كل شيء. وكان يعمل لود على العودة شيئاً فشيئاً إلى كنيسة روما في روحها ونظامها ومظهرها، وكان يحارب مبدأ كلفن في القدر المحتوم، ويعضد المبدأ القائل بالاختيار، ويضطهد من يدعوا إلى الاعتماد على الإنجيل وحده بغير رجوع إلى القس، وأمعن لود في الكيد للنيوريتانز، واستعان بسلطة الدولة فأذاقهم سوء العذاب!
على أن فريقاً من المعتدلين وقفوا بين هؤلاء وهؤلاء وان كانوا قلة. ويرى هؤلاء المعتدلون أن المرء حر فيما يفكر فيه، أو فيما يأتي من عمل ما دام يطيع الملك والقس. وكان ملتن أقرب إلى هؤلاء المعتدلين منه إلى متطرفي البيوريتانز؛ فقد كان يجب التسامح ويدعو إليه. وخالف البيوريتانز في تزمتهم ومبالغتهم في الزهد والتقشف. وعنده أن المرء إذا وفي واجب الدين حقه، واستمسك بالفضيلة فلا تحرم عليه زينة الله التي أخرج لعباده. وللناس أن يستمتعوا أيام الآحاد بما يشيع البهجة والمرح في نفوسهم بدل أن يحشروا حشرا إلى الكنائس ويحملوا على البقاء فيها طويلا. . .