وإذا نزلت يا سيدي بهذا الأسلوب أدركه اخرى، وجعلت الموضوع كله في وصف بنات (المحل العمومي) وما يكون منهن وصفاً سافراً مفصلاً، جاء معك ديوان (قالت لي السمراء) لـ (نزار قباني) الذي صدر في دمشق منذ سنتين، وإذا زدت لغة هذا الديوان لعنة على لعنتها، وأسلوبه عمى على عماه، موضوعه فجوراً على فجوره، جاء معك كتاب (في قصور دمشق) الذي أصدره في دمشق من نحو عشر سنين، موظف صغير في دائرة الصحة عامي يدعى (محمد النجار).
هذا كله عندنا فماذا يقول نحن يا أستاذ؟!
النثر والشعر في المدارس:
كنت كلما درست الأدب العربي اعجب لما أجد من انصراف الطلاب عن نثره إلى شعره، على حين انهم أميل إلى النثر في الأدب الفرنسي منهم إلى الشعر، ففكرت فرأيت أن السبب في ذلك المناهج.
والذي تقرر المناهج تدريسه من النثر العربي في مصر والشام والعراق لا يخرج في جملته عن رسائل ميتة لا روح فيها، أو فقرات جامدة مسجعة أو غير مسجعة ليس فيها وصف يهز القلب، أو معنى يوقظ الفكر، حتى أن ما يحتار لمثل الجاحظ وهو في رأيي أحد الخمسة الذين انتهت إليهم إمامة النثر العربي (الجاحظ وأبى حيان التوحيدي والغزالي وابن خلدون ومحيي الدين بن عربي) هو من الممل الممل المضجر كوصف الكتاب وصفاً هو مجموعة جمل مستقلة تشبه حكم اكثم بن صيفي ليس بينها ارتباط، ولا يفسدها لا تقديم فيها ولا التأخير، ويصعب استظهارها وحفظها، مع أن الجاحظ المعجب المطرب، والمبهج المرقص من القصص والاوصاف، فكان من ذلك أن رغب الطلاب عن أدبنا وكرهوه، واثروا عليه الأدب الفرنسي، لأنهم وجدوه اقرب إلى قلوبهم، وأدنى إلى أفكارهم.
ودواء هذا الداء أن يخرج واضعو المناهج من هذه الزاوية التي حبسوا أنفسهم والطلاب فيها، إلى فضاء الأدب ورحبة، ويدعوا الصاحب والقاضي والفاضل، وهذه الرسائل الباردة، وهذا الأدب الميت الذي لا روح فيه ولا جمال، ولا يصح أن يكون مثالاً يحتذي، ودليلاً يتبع، ولا يجوز أن يعرض على الطالب ألا علىانه لون من ألوان الكتابة، فيدرسه دراسة المؤرخ له، لا دراسة المتأدب به، ويفتشوا بين العلماء والصوفية والمؤرخين عن