للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ذوي الملكات البيانية، فيجدوا فيهم من لا يعد معه أدب الصاحب وعبد الرحيم البيساني إلا لعب أطفال.

اذكر على سبيل المثال (ابن الجوزي) في كتابه صيد الخاطر وموضوعه ظاهر من اسمه، وهو خواطر كانت له فيدونها في هذا الكتاب، وليس في هذا الكتاب بلاغة الجاحظ وابن قتيبة، ولا صناعة ابن العميد، ولا فحولة الجرجاني، ولكن فيه شيئاً ليس مثله عند أولئك جميعاً، هو هذه السهولة وهذه السلاسة، وهذا الصدق في تصوير الخواطر، وهذه الإلمام بالمسائل النفسية والاجتماعية والدينية، وما فيه من وثبات ذهنية عجيبة، وما يقوم به من تحبيب الأدب إلى الطلاب، وهذا الكتاب لو نشر اليوم على انه لبعض الكتاب العصريين، لقامت له الصحف الأدبية وقعدت، وهللت له وكبرت، وأحلته الذروة والسنام.

واذكر (ابن السماك) هذا الرجل الذي تدل الفقرات القليلة التي رويت له على انه أحد أفرادالدنيا في بلاغة القول، وصفاء الأسلوب، وعلو التفكير، ولم يفكر مع ذلك أحد في استقراء اخباره، وتتبع آثاره، و (ابن حزم) في (طوق الحمامة) و (ابن القيم) في (روضة المحبين) وابن داود الظاهرى، والبطري، والغزالي، وابن عربي، وابن حيان، والشافعي، وأمم لو احب واضعو المناهج العناية بآدابهم، لوجدوا شيئاً ينسيهم وينسى الطلاب الصاحب بن عباد وإضرابه.

الكتب المدرسية والكتب الأدبية:

زرت من سنين أحد (الناشرين) في دمشق، وكان عنده صديقي الأستاذ التنوخي، ومعه كتاب (المثنى) لأبى الطيب اللغوي الإمام العلم قريع ابن خالويه، وزميله في بلاط سيف الدولة. وقد وقع على النسخة الوحيدة منه التي ليست في خزانة من الخزائن العامة في الشرق ولا في الغرب، وانه أعلن في مجلة المجمع العلمي العربي السؤال عنها فلم يكن عند علم بها. والنسخة الصحيحة مقابلة بالأصل (أي بنسخة المؤلف) عليها تعليقات بخطوط كبار العلماء كابن الشحنة وغيره، فاشتغل بنسخها وتصحيحها ومعارضتها بكتب اللغة أمداً طويلاً. . . فرأيته يعرض عليه طبعها بشرط واحد: هو انه لا يشترط شرطاً. . . ولا يريد مالا ولا يبتغي على تعبه أجراً. وعند الناشر (معلم) يعرض عليه كتاباً في القراءة والمطالعة كل عمله فيه انه نسخ من كتب الأدب قصصاً وأحاديث كتبها في أوراق

<<  <  ج:
ص:  >  >>