للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قلبي، وينهمل دمعي. انهم قطع مني كيف اتركهم يجوعون. . . انهم أولادي، فكيف ادعهم يبكون. . . ليقولوا أني سارق وأني مجنون. . وليسوقوني إلى السجن، فهم كفرة لا يرحمون، ولا طعم أولادي. فلعلهم يشبعون. أن الدراهم عندي، ولن أرجعها، ولكن، ما ادري! ما الذي يعيث في صدري، وبين أضلعي؟ انه يضنيني ويقلقني. . . ما اشد هذه الليلة عليّ. . .! أنها لأقل من هذه الجبال واقل من السماء. ماذا افعل يارب؟ أن عفريتاً يحطم منى. كأن في يده معولاً فهو يضربني. أني لأسمع همساته في كل دقيقة، بل في كل طرفة تزن في آذني وتطنّ (هات الدراهم، هات الدراهم) لكن لا ليس في العلية أحد، أجني يكلمني؟ ماذا أصابني؟)

ورفع الشيخ يده إلى جبينه يسمح العرق عنه، ثم حول بصره إلى الغرفة فنفضها، عله يجد فيها الذي يقلقه. ولكنه لم يجد أحداً. فخطر على باله أن ينام. لقد حاول النوم من قبل ففر منه النوم. أما الان، فلعل النوم يشفق عليه، وينقذه من هذا العفريت الذي يطن في آذنيه. فاضطجع على كيس من القش اتخذه فراشاً. فقرأ وتعوذ، ودمدم وهمهم، وسرد ما حفظه عن شيخ القريةيوم الجمعة، مما يذهب الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس. وتقلب في فراشه ذات اليمين وذات الشمال. وحاول أن ينسى الدراهم، بل تمنى لو كان اصم، فلا يسمع هذا الهمس الناعم، ولكن صورة الدراهم كانت تملأ عينيه، وهمس العفريت كان يرن في آذنيه.

وجفا فراشه، وقد تحطم جسمه. واخذ يطوف حول العلية، مطرق الرأس، حاني الظهر. كيف الخلاص مما يسمع؟ أن هذا الهمس: (هات الدراهم) يكاد يقتله، وماذا فعل؟ لأنه سرق؟ وقلبه ماذا أصابه؟ أنه يكاد يتمزق في صره. ونادى: (ألا دعني أيها العفريت. . أحرج من صدري، ابتعد عني. آه لو كنت شاباً. . . دعني فأنا شيخ محطم أكاد أموت.

دعني، فما أخذت الدراهم لنفسي، ولا لزوجتي، ولكن لأولادي.

انظرهم كيف يبسوا من الهزال، وسقموا من الجوع! أيبقون بلا رغيف ثلاثة أيام وفي صناديق جاري الدنانير؟ أيموت صغاري من الجوع، ولي عند (البيك - إلا لعنة الله على (البيك) - أجرة ثلاثة شهر؟ لقد طردوني، أيها العفريت، ولم ينقدني أجرها. فطفقت أشكو، فلم يصغ أحد ألي. لقد قالوا أني كاذب، لأني فقير ضعيف. وانه صادق لأنه سيد القرية

<<  <  ج:
ص:  >  >>