لتحدث التأثير اللازم في جو الصورة العام، فكذلك اختيار الكلمات وتنسيقها لتشع ظلالها الخاصة، وليتألف من هذه الظلال مجتمعة صورة منسقة.
هذا الاختيار والتنسيق لا يتم عن طريق الوعي، فهناك الذوق الخفي، تربي شيئاً فشيئاً وأساسه موهبة لدنية، ولكن المرانة هي التي تبرز هذه الموهبة، وتلونها، وتجعلها في النهاية عاملاً من عوامل لخلق والاختيار.
ولقد غالت المدرسة العقلية في تقدير قيمة المعاني وإهمال قيمة اللفظ المصور، اكتفاء باللفظ الدال. والمسألة هي تعريف هذا اللفظ الدال في الفن. فنحن قد نرتضي هذا الوصف للفظ، ولكن لا يكون دالاً في الفن بمجرد أدائه للمعنى اللغوي أو الذهني فذلك يصلح في العلم وربما في الفلسفة. ولكنه لا يكفي في الفن، فالصورة - لا المعنى - هي المقصودة في الفن. واللفظ والعبارة يكونان دالين في الفن حين يؤديان المعنى الذهني، ويخلعان بجواره ظلالا معينة تتسق مع هذا المعنى، ويحدثان في الوقت ذاته إيقاعاً معيناً يتسق مع الظلال والمعاني. . . ومن مجموع هذه الخواص تتكون دلالة اللفظ أو العبارة في النص الفني، كما تتكون الصورة الفنية المعبرة عن فكرة فنية.
وفي هذا المجال يتفاضل الأباء وذلك مع عدم إهمال القيم الذاتية لخصائص الشعور، وطبيعة التفكير. هذه القيم التي لا تبدو على حقيقتها إلا عند ما يعبر عنها في صورة جيدة كما أسلفنا الحديث.
(لكل لغة عبقرية تستكن في طرق الأداء، وتنوع الصور، وتلاؤم الألفاظ)
ويرى الأستاذ الزيات أن عبقرية اللغة العربية من حيث طريقة الأداء تستكن في الإيجاز. وعبقريتها من حيث تلاؤم الألفاظ تستكن في السجع والازدواج.
وهذه ملاحظة صادقة في تسجيل خصائص المأثور من البيان العربي. ولكن الدعوة إلى الوقوف عندها في أساليبنا العصرية هي التي نفترق فيها عن الأستاذ.
فلننظر فيما يقول في هذين الأصليين الكبيرين.
(إذا كانت الوجازة أصلاً في بلاغات اللغات، فإنها في بلاغة العربية أصيل وروح وطبع. وأول الفروق بين اللغات السامية واللغات الآرية أن الأولى إجمالية، والأخرى تفصيلية. يظهر ذلك في مثل قولك (قتل الإنسان!) فإن الفعل في هذه الجملة يدل بصيغته الملفوظة