وقرينته الملحوظة على المعنى والزمن والدعاء والتعجب وحذف الفاعل. وهي معان لا تستطيع أن تعبر عنها في لغة أوربية إلا بأربع كلمات أو خمس. وطبيعة اللغات الإجمالية الاعتماد على التركيز والاقتصار على الجوهر، والتعبير بالكلمة الجامعة، والاكتفاء باللمحة الدالة. كما أن طبيعة اللغات التفصيلية العناية بالدقائق، والإحاطة بالفروع، والاهتمام بالملابسات، والاستطراد إلى المناسبات، والميل إلى الشرح ولم تعرف العربية التفصيل والتطويل والمط إلا بعد اتصالها بالآرية في العراق والأندلس. ولا أقصد من وراء ذلك إلى تفضيل لغة على لغة، أو ترجيح أسلوب على أسلوب؛ فإن الاختلاف اختلاف جنسية وعقلية ومزاج. والتفصيل إذا سلم من اللغو كان كالإجمال إذا برئ من الإخلال. وكلاهما حسن في موقعه، بليغ في بابه. وقد يكون التفصيل من الإيجاز إذا قدر لفظه على معناه)
وإلى هنا فالكلام جيد دقيق، لأنه يكتفي بتقرير حالة واقعة في اعتدال وقصد. وإن كان في هذا التعميم ما يستحق بعض الاستدراك. فالميل إلى الإجمال أو التفصيل قد لا يكون مزاج أمة ولا لغة، بل مزاج فرد أو جماعة في كل لغة. ولكن هذا الكلام مقبول في حدود السمات العامة للغات.
ثم يقول:
(اختصر في صفة واحدة صفات البلاغة في أساليب القرآن والحديث وأشعار الجاهليين الأمويين وكتب العباسين فلن تكون هذه الصفة غير الإيجاز)
(وكان أمراء النثر العربي من أمثال جعفر بن يحيى، وسهل أبن هارون يتوخون جانب القصد، ويؤثرون طريق الإيجاز. حتى قال جعفر للكتاب: (إن استطعتن أن تجعلوا كتبكم كلها توقيعات فافعلوا). والتوقيعات ما يعلقه الخليفة أو الوزير أو الرئيس على ما يقدم إليه من الكتب في شكوى حال أو طلب نوال. وهي تجري مجرى الأمثال في الجمع بين الإيجاز والجمال والقوة)
وهكذا كلام جيد حين يراد به تسجيل حالة واقعة - ما عدا الكلام عن إيجاز القرآن فلنا فيه رأى آخر سنبديه - أما حين يراد اتخاذه مثالاً فلا أن طبيعة الموضوعات التي عالجها النثر العربي المأثور، وأهمها الحكم والأمثال، والتوقيعات، والرسائل، هي التي اقتضت هذه الإيجاز، وكان سائغاً فيها. ولكنه في الشعر بدا عيباً في كثير من الأحيان. فمعظم