الأخير، فإنها لم تدخل قلبي إلا بعد أن صهرته آلام الحياة وأحزانها، وأصبح نقيا شديد الإيمان بقضاء الله وقدره، صادق الإحساس بما يجري حوله في الحياة من مظاهر خادعة وأخرى مخدوعة، مطمئنا إلى الحياة من حيث هي وجود ناقص أحياناً وتام أحيانا، عالماً أن لكل شيء نهاية لابد وأن ينتهي إليها
ولقد أيقنت من يوم أن أحسستها تجري في دمي أن الله قدر لي أن أحبها، فأحببتها لنفسي، وأحببتها لأن الله أراد ذلك، وكان قلبي صادق الحس بها، فلم تكن خادعة ولم يكن مخدوعاً، وكان وقوراً حكيما فاكتفى بأن يحبها هو من غير أن يتساءل ما هي ميولها نحوه؟ وهل تعلم أن في العالم المحيط بها قلبا يرفرف عليها في غدوها ورواحها، في مسائها وصباحها، في يقظتها ومنامها، في دمعتها وابتسامتها؟ ومن هو صاحب هذا القلب؟ وبعد ذلك اطمأننت إلى أن الحياة من حيث هي وجود ناقص، هي تلك الساعات التي لا تجرى فيها المدامع من شوق، ولا تسيل فيها النفوس من ذكريات وحنين، وأيقنت بعد هذا وذاك أن الحب كالحلقة المفرغة لا يدري أين طرفاها، ولا يقال في نقطة منها إنها نهاية إلا قيل في نفس الوقت إنها بداية
لقد ذهبت بك الظنون كل مذهب في أمري، بل أيقنت أنك قد أصبت المرمى حين أرسلت إلى خطابك المفوق، وإني أقول لك بلغة يقطر منها الشكر إن خطابك كان فيه الشفاء لقلبي من الناحية التي تريدينها، وإني ما سكت هذه المدة إلا لأختبر قلبي واستشير عقلي، أما القلب فلم يجد عنها حولا، وأما العقل فأشار بأخذ رأيك فيها من جهة ميولها نحوي، فان كنت عندها شيئاً فابسمي يا دنيا، وأشرق يا أمل
كنت في بعض الأيام اراها، فيحترق قلبي من الشوق إليها وهي أمامي، ولا يكاد نظري يلتقي بنظرها حتى ينقلب إلى خاسئاً
وهو حسير، وكنت أستجمع قواي كلما رأيتها لألقى إليها بالتحية في فيحتبس لساني من العي - لا طبيعة فيه ولكن جلالا لا أدرى له مدى، وجمالاً لا أعلم له غاية، وسحراً بين هذا وذاك قوياً شديداً، كانت ثلاثتها تقيد لساني عن النطق تقييداً أعتبر نفسي منه في حد من السعادة محدود - ولقد كان الجو المحيط بنا يمرح في عبق من أنفاسها وتحايا قلبي، غير أنها كانت كالزهرة تفوح رائحتها عند الصباح، وكان قلبي كعود الصندل، كلما لا