فلم أجد إليها من سبيل، كما أني لم أملأ منها عيني حياء وخجلا، واكتفاء بصورتها المرسومة في حبة القلب وفوق صفحات الخيال، على أن طريقي كانت تتحول تبعاً لها على غير قصد مني، حتى إذا لم يكن من توديعها بالنظرة بد، وضعت يدي على صدري كمن يتلمس شيئا فقده، وما فقدت إلا قلباً تقطر كالدمعة الحمراء من بين أهداب الجفون.
لا يزال صولجان المقادير يقذف بقلبي في واد من الذكريات القديمة ذي ثلاث شعب، لا ظليل ولا يغني من اللهب، كلما طال علي الأمد في لقائها، والآن يا صديقي وقد مضت علي مدة تزيد على شهرين لم المحها فيها لمحة واحدة، أقول لك إن هذا هو سر إطراقي وتفكيري، فلا تسألن عن شيء بعدها حتى أحدث لك منه ذكرا.
٢١ - ٧ - ١٩٣٢ صديقكجمال
صديقي:
أوقد فعلتها؟ يا قلبي!! ما كان أحرصني على الاحتفاظ بالسر وكتمانه، لولا أنني أعتقد أن لي من قلبك وإخلاصك ووفائك ما يجعلني أستريح إلى أن أبوح لك (في شيء من التحفظ كثير وبعد مضي زمن على كتمان هذا السر طويل) بما كنت أقاسيه أناء الليل وأطراف النهار من لواعج قلبي، وزفرات أنفاسي ودموع عيوني، ولكن غفر الله لي ولك يا صديقي ما تقدم من ذنبنك وما تأخر، فان هذه القلوب الطاهرة البريئة، المكتهله في شبابها، الرزينة في حبها، لا يمكن أن تتصل في يوم من الأيام بغير ما يماثلها شرفا وطهرا، ورزانة ونبلا.
ولئن وقع خطابي في يد غير يدها، ورأته عين غير عينها، وطرقت نبراته الحزينة سمعاً غير سمعها لخطأ في الاسم كما يقال، فانني لسعيد مغتبط، هنئ ملئ قرارة نفسي وطوايا فؤادي، ذلك أن خطابي وقع في يد شريفة وعند قلب ذي إحساس سام، يعرف المعنى المرتسم فيه كما أريد، وأغلب الظن أن الله قد يهئ لي من أمري هذا رشداً. ولعله يكون قريباً والسلام.
١٤ - ٩ - ١٩٣٢صديقك جمال
عزيزتي:
عبثا كنت أخادع قلبي بالسلو عنها أو الإفلات من براثن حبها بعد أن جاءني خطابك