نظرتهما للحياة كانت متقاربة التقارب كله؛ وليس هذا يحدث إلا في النادر القليل. رغب كلاهما عن الحياة العابثة الماجنة، ونزعا نزعة التصوف والزهد وسخطا على عيشهما، وتبر ما بقومها، وتشاءما من حياتهما تشاؤماً، مبعثه حب الإصلاح وانتقاد ما يريان من أحوال وأعمال. وأودعا كل ذلك في شعر رائع زاخر يجيش ثورة واضطراما على التقاليد، ويفيض ناقماً على المنازعات والحزبيات، ثم يتدفق عذوبة ويتفجر إخلاصاً وحماسة في معالجة المشكلات وتقوية الأواصر والصلات بين المواطنين المخلصين وأبناء العروبة الغر الميامين.
وتشابها أيضاً في العلة فقد أصطلح عليهما داء الصدر الذي عاق نموها الجسمي وتقدمهما العقلي في العمل والتفكير؛ فماتا في عنفوان الشباب عندما تفتقت زهرتاهما عن أكمامها عبقتين فواحتين بأريج النضج والاكتمال، وشذى الإنتاج والإبداع. ومن غريب مصادفة القدر أن فقدهما حدث في زمنين متقاربين. مات الفقيدان طيب الله ثراهما وأخلد ذكراهما - بعد أن اقتطفا من متاع الحياة خمسة وعشرين ربيعاُ لم ينعما فيها بأطايب العيش ولذائذ الحياة، ولم يستكملا فيها مراحل تطورهما في النظم والتصوير، وابتكار النماذج العالية الخالدة في الأدب الشرقي والشعر العربي المستقى من الفن الغربي والمذهب الواقعي.
المشابهة في طريق النظم والتعبير:
من الواضح أن الشعر عمل فني يقوم على أشياء لا على شيء واحد. فلا بد له من الصورة الفنية والموسيقى الجميلة والخيال البارع. ومعلوم أن المقصود بالمشابهة في النظم والتصوير هو الشبه بينهما في لغة الشعر.
فما هي لغة الشعر إذن؟ هي أداة يستخدمها الشاعر في فنه قوامها الألفاظ والكلمات التي لا تخرج كثيراً عما يتحدث به.
الناس ويكتبونه به. وبهذه الأداة المألوفة يستطيع الشاعر أن يخرج فنا يفوق جميع الفنون.
وبما أن الشعر الصحيح ينبعث دائما من إحساس قوي ممتاز، فالشاعر ملزم حينئذ أن يتخذ للتعبير عنه لغة خاصة متجانسة مع هذا الإحساس. فليس المعنى وحده هو الذي يؤثر في النفوس؛ بل إن الألفاظ - التي هي منه بمثابة الجسد من الروح لها تأثيرها الخاص. ففي الشعر الرصين ينبغي للفظ: