أولا: أن يتجانس مع المعنى فيكون رقيقا في مواضع الرقة، قويا عنيفا في مواضع العنف والقوة.
ثانيا: أن يكون اللفظ على قدر المعنى، فلا يكون هناك حشو ولا زيادة، ولا قصور في الدلالة على المعنى.
إذا أنعمنا النظر في شعر هذين الشاعرين نجد المشابهة قوية أخاذة ذات سحر وجلال ينفذان إلى شغاف القلوب ويؤثران في طوايا النفوس. قال الشابي يصف الجنة الضائعة: -
كم من عهود عذبة في عدوة الوادي النضير
كانت ارق من النسيم ومن أغاريد الطيور
والذ من سحر الصبا في بسمة الطفل الغرير
أيام كانت للحياة حلاوة الروض المطير
وطهارة الموج الجميل وسحر شاطئه المنير
ووداعة العصفور بين جداول الماء النمير
ففي الأبيات المتقدمات يسكب الشاعر ذوب نفسه وعصارة فكره؛ وهو يتشوف إلى العهود العذبة التي قضاها في الوادي النضير؛ ويتحسر على ضياعها، لأنها كانت تسمو على كل لذة من لذائذ الوجود وتفوق كل متاع من متع الحياة. ألم يقل إنها ارق من النسيم ومن أغاريد الطيور، والذ وأمتع للنفس من سحر الصبا وبسمة الطفل الغرير. وهل يوجد في الوجود شيء يعدل هاتين اللذتين في العذوبة والطهارة والوداعة والجمال.
ألا تسمع إلى رنين جرس العبارات وحلاوة الألفاظ والتعبيرات في الكلمات التالية. - سحر الصبا - بسمة الطفل - طهارة الموج - وداعة العصفور. أن الألفاظ فيها تجانس للمعنى وفيها رقة تسيل على القرطاس وتتفجر عن أنبل عاطفة واحساس. ثم إن اللفظ على قدر المعنى فلا حشو ولا زيادة مع اقتدار فيه على تأدية المعنى أداء بليغا مؤثرا.
ولنستمع إلى صاحبة التجاني يوسف بشير يناجي النيل في وقفة له شاعرية سمت بروحه إلى أعلى عليين حيث فاضت على السامعين من نبعها الصافي هذه الأبيات الخالدات في قصيدته (في محراب النيل). -
أنت يا نيل يا سليل الفراديس نبيل موقف في مسابك