اختار الشاعر النابغة احسن الألفاظ وقعاً في النفس وإثارة للعواطف، مما يناسب المعنى الذي تصدى لتوضيحيه وبيانه.
ألا تسمع إلى هذه الكلمات - نبيل موفق في مسابك، ثم المفيض من انسابك - ثم إلى يتوثبن - ثم إلى كلمتي خفافاً (ويركضن).
أنها ألفاظ تدعو إلى الفكر كل المعاني الجميلة التي تدانيه أو تمت إليه بسبب. فكلمة يتوثبن ترسم للذهن في أوضح صورة منظر الماء المنساب فوق الضفاف في سرعة وقوة حيث يغمر سطح الأرض ويفيض على روابيها العالية، ثم ينحسر عنها جاريا إلى المنخفضات والوديان، وهذا يتمثل في عبارة (يركضن في ممر شعابك) في قوة ووضوح. وكلمة أجنحة خضراً تدعو إلى ذهن السامع كل المعني الجميلة التي تلابسها، فيستعرض الذهن منظر الخضرة اليانعة والظل الوارف، والطير الصادح، وكل ما هو جميل مؤثر.
تصوير المرئيات والمناظر الطبيعية:
يقل في شعر هذين المفلقين وصف المرئيات - أو بعبارة أخرى رسم الصور لما يريان من الأشياء. بينما يزخر شعرهما بنفثات الصدور وخلجات النفوس، ومظاهر تأثيرهما بالأحداث والنكبات، واستهجانهما للتقاليد والعادات وتصويرهما الحقائق التي امتزج بها الخيال ولونتها العاطفة. ولكل هذه الموضوعات اثر في نفسيهما الثائرين، حيث يشتد الألم البالغ ويطغي الهيجان الفوار ويغلي الدم الحار، فتنطلق من الشفاه، همسة محزونة أو صرخة مدوية أو نفثة قوية تذهب في الناس مثلا سائراً وقولا مأثوراً أبقي على الزمن من الزمن.
افتن شاعرنا التجاني بمنظر الطبيعة الساحرة لما رأى جزيرة (توتي) تستيقظ في غلس