الليل الدابر وتستقبل الصبح السافر كأنها روضة مفتنة حفها النيل وحتواها البر ففاح شذى زهورها وشدت على الأغصان طيورها، فطرب الشاعر وسكر، وعبر عن هذا الإحساس بلغة خيالها قوى ونغمها شجي، ومعانيها ساحرة. استمع إليه يقول: -
يا درة حفها النيل واحتواها البر
صحا الدجى وتغشاك في الأسرة فجر
كم ذا تمازج فن على يديك وسحر
يخور ثور وتثغو شاة وتنهق حمر
والبهم تمرح والزرع مونق مخضر
إلى إن قال: -
وذاب في الرمل أو ماج في الترائب تبر
هذا شراع مكر، وذا شراع مفر
يطوي وينشر الريح من هناك تسر
وزورق يتهادى وزورق يستحر
يرسي ويقلع والشاطئ هادئ مستقر
ورب قنواء للعصم والانوق مقر
أوفى على النيل فرع منها واشرف جزر
أتريد بعد هذا البيان بياناً يصور فيه الشاعر العبقري منظر الطبيعة الساحرة ويعطي صور كاملة العناصر موصولة الأواصر تنتقل فيها من خاطر إلى خاطر حتى تستوعب كل المعاني التي تكمل بها الصورة للناظر في أبيات هي السحر الساحر. ولقد أبدع التجاني أيما إبداع في رسم صورته؛ وفاق فيها المصور الماهر الذي يعمل في دائرة ضيقة حينما يرسم على لوحته حالة من حالات النفس أو صورة من صور الحس. على حين إن دائرة التجاني ارحب واوسع، لانه يستكمل تصوير منظره في أبيات متعددة إن عجز عن تعبيرها في بيت أو بيتين.
ولنستمع ألان إلى قصيدة مشابهة من قصائد الشابي التي يصور فيها صورة واضحة لما يحس من أشعة الوجود وألوان الطبيعة وعبر الحياة. يقول مخاطبا الحياة التي يريدها