للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الالتباس، فلذلك استعانوا بحروف الجر كل الاستعانة - كما هو بين للعالم الفاضل الناقد - ولو كان أمر (كفله وكفل به) من باب الحذف والإيصال الذي هو من خصائص هذه اللغة الكريمة لكان تنبيهي تشديداً وتحجراً تأباهما طبيعتها السهلة السمحة، وإنما هو أمر ذو بال، وإدخال الباء على المكفول به لازم، وكذلك الحال فيما أشبهه، فقد قالت العرب (تحمله) فلما أرادوا به (كفل به) وقالوا (زعمه) ثم قالوا (زعم به) أي كفل به. ولم يبقى بيني وبين من أجاز (كفله) إلا كلام العرب وهو الحكم الفيصل، فقد جاء في كتاب بهج البلاغة في أثناء وصف الحيوان (فهذا غراب وهذا عقاب وهذا حمام وهذا نعام، دعا كل طائر باسمه وكفل برزقه) وجاء في وصف النملة منه (تجمع في حرها لبردها وفي وردها لصدرها، مكفول برزقها مرزوقة بوفقها) وورد في كلام الأخطل للشعبي في حضرة عبد الملك ابن مروان (من يكفل بك؟ قلت أمير المؤمنين) وفي الغاني من يتكفل بك؟) فالباء لازمة في كليهما.

وقال المبرد في أخبار الخوارج (وطالب الكفلاء بمن كفلوا به فكل من جاء بصاحبه أطلقه وقتل الخارجي من لم يأت بمن كفل به منهم قتله) وقال الطبري (فلم يزل يحيي أبن عمر محبوساً إلى أن كفل به فأطلق)

وقد تعقبت هذا اللفظ وحرف جره خمس عشرة سنة فلم أجد من خالف فيه وجهه الصحيح إلا أبن الساعاتي الشاعر المتوفي سنة ٦٠٤ هـ بقوله:

كفل الدمع رى سفحيك والدم - ـع ملئ بع النوى بالكفالة

وهو شاعر متأخر مضطر كسائر الشعراء. فمن يأتني بعبارة لعربي فصيح استعمل فيها (كفله) بمعنى (كفل به) فقد عارض الحجة وحقق صحة ما ورد في اللسان وفي غيره والزمني الرجوع عن قولي.

هذا وأني شاكر للعالم الجليل الفاضل ما اصحر به من كمال الأدب والغيرة على لغة العرب، أيده الله تعالى.

(بغداد)

الدكتور مصطفى جواد

حول ترجمة (المقامر) لدستويفسكي

<<  <  ج:
ص:  >  >>