ساخرا حتى لا يتورع أن يرد على أحد الاعتراضات بضحكات يثبت صورتها هكذا. . ها! ها! ها! على نحو ما يفعل الطلاب إذ يتجادلون في أمر من الأمور.
ولم يستطع ملتن أن يملك زمام قلمه إذ كان يرد على أحد المتحمسين من الفئة التي يبغضها ويحاربها في عنف بالغ، لذلك جاء من عبارات الهجاء والفحش بما نعجب كيف يصدر مثله ممن كان له مثل ثقافته وأدبه ونفسه الشاعرة وحسه المرهف، وتلك في الحق عجيبة من عجائب عقله وخلقه. . .
وفي مستهل سنة ١٦٤٢ نشر ملتن كتيبا رابعاً، وجمع في هذا الكتيب كل ما واتته به ثقافته ودراسته من المعرفة وكل ما جادت به قريحته من الآراء وساقها جميعا حربا على خصومه القساوسة، وكان في هذا الكتيب أكثر عناية بالشرح والإقناع منه بالسخرية والإقذاع، لذلك جاء خلوا من الحشو بريئا من هجر القول وان لم تكن لهجته فيه اقل حماسة منها في سالفيه، ولهذا الكتيب الرابع أهمية من ناحية أخرى، وذلك أن ملتن أبان فيه بعض آرائه في الدين والسياسة.
ففي الدين أعلن تمسكه بالبرسبيترية وأنها خير نظام لإدارة الكنيسة، فلا يصح أن يترك لهؤلاء القساوسة الإشراف على الكنيسة فيرتفع بعضهم فوق بعض درجات، ويتخذوا من مناصبهم الدينية سلاحا للعدوان والطغيان والجشع، وإنما يجب أن يكون المشرفون على إدارتها قوم يرضى عنهم الناس ويختارون بمشيئتهم ويكونون في مناصبهم سواء، وهو في ذلك إنما يشير باتباع نظام كلفن في حماسة وإخلاص.
وذكر أحد القساوسة في هذه المعركة أن آدم هو أول قس، فكان مما رد به ملتن على ذلك قوله: إنه إزاء ما يراه من شدة ولوعهم بالقديم في الدفاع عن قضيتهم يوافقهم فيما يزعمونه، بل انه يذهب في القدم إلى ابعد مما ذهبوا؛ فإذا كان آدم في البشر هو أول قس، فقد كان إبليس من قبل آدم هو في الملائكة القس الأول. ويخرج ملتن من ذلك بنتيجة وهي أن القساوسة في أصلهم ينتمون إلى الشيطان، فحسبنا من بغض هذا النظام أنه من عمل الشيطان.
ويؤمن ملتن بعقيدة الثالوث على الرغم من فكرته السامية التي تجلت في إنكاره تصوير الله وتحديده ويصلي مستعيذا بهذا الثالوث ككل من يؤمن بهذه العقيدة في أصلها.