ويميل ملتن إلى الاعتدال والتسامح في معاملة أهل المذاهب الأخرى من غير البيوريتانز، فوجود هؤلاء المخالفين أمر طبيعي لان هؤلاء يعدون قبل الإصلاح الجديد كالآلام الشديدة التي تسبق كل وضع؛ وما من شيء يتغير من حال إلى حال في عالم المادة إلا بعراكه مع العناصر الأخرى المضادة له، وفي المصنوعات لا بد من ذهاب بعض المادة في التسوية والتهذيب، وما من تمثال من المرمر يقام أو من صرح يبنى إلا إذا أزيل كذلك شيء مما علق به.
ولا يسع ملتن إلا الموافقة على عقوبة الطرد من الكنيسة ولكن على إلا يستعمل هذا الحق إلا بمنتهى الحذر وبعد التحري الدقيق وطول الأناة والوثوق من أن المذنب يستحق تلك العقوبة.
ولا يزال ملتن في كتيبه هذا مواليا للملكية، وغاية ما يسعى إليه أن يتلخص الملك وأن تتخلص انجلترة من طغيان القساوسة. وفي رأيه أن القساوسة هم الذين يوحون إلى الملك الطغيان والاستبداد، لأنهم بتعصبهم وحرصهم على مناصبهم ومغانمهم يكرهون كل رأي حر، ومتى لمحوا رأيا حرا رأوا فيه نذر الفتنة وخوفوا الناس من عواقبه وأشفقوا على النظام والهدوء من الفوضى المزعومة، هذا إلى دسائسهم وسوء مكرهم وافترائهم الكذب على من يخشونه من الناس؛ وانه ليرى فيهم بذلك وبغيره أصلح أداة للطغيان. ولقد اعتادت الكنيسة أن تتخذ من الكتاب المقدس سلاحا تشهره في وجه الحرية، ووسيلة إلى الجشع الذي لا يشبع والطموح الذي لا يقف عند حد.
وجاء في كتيبه هذا فيما جاء من آرائه طعن شديد على الجامعات؛ فما إن يزال ملتن حانقا على الجامعة وأسلوب التعليم بها بعد أن تركها بعشر سنوات، وجاء رأيه عن الجامعات عرضا فهو يعجب كيف أن أناسا علم من أمرهم أنهم أهل ثقافة وعلم يدافعون عن الكنيسة بكتاباتهم؛ ويرد ذلك إلى أنهم اكتسبوا ما يسمونه علما في الجامعات، فقد قصدوا إليها يبتغون المعرفة الصحيحة، ولكنهم لم يجدوا هناك إلا ألوانا من السفسطة وضروبا من تعاليم القساوسة سدت بها حلوقهم فعاقت دخول الفلسفة الصحيحة، كما حنق أصواتهم إلى الأبد ما امتلأت به حناجرهم من لغو ميتافيزيقي. . .
وفي سنة ١٦٤٢ نشر القس هول وابنه كتيبا عنيف اللهجة قاسي العبارات وجها فيه إلى