للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ليس في الوجود إنسان دقيق مرهف الإحساس لا يخفق قلبه للحب العذري الطاهر، ولا يفتتن بمنظر الجمال الساحر الجذاب، ويعلق بالحسن في جميع مظاهره المادية المعنوية.

وما دامت النفس البشرية تشعر بهذه العاطفة الجامحة فأنها تجد في الشعر خير معبر ناطق لما يلابسها من متباين الحس ومختلف الشعور؛ وأصدق محدث ينطق بما توحي به بيئة كل شاعر ومحيطه الذي نشأ فيه، وبما يؤثر عليه في حياته من متنوع الحوادث ومتعدد الخطوب.

لقد خفق قلب الشابي بالحب حينما خاطب محبوبه بهذه الأبيات في قصيدة عنوانها (أيتها الحالمة بين العواطف).

أنت كالزهرة الجميلة في الغا ... ب ولكن ما بين شوك ودود

فافهمي الناس إنما الناس خلق ... مفسد في الوجود غير رشيد

والسعيد السعيد من عاش كاللي ... ل غريباً في أهل هذا الوجود

ودعيهم يحيون في ظلمة الاث ... م وعيشي في طهرك المحمود

كالملاك البرئ، كالوردة البي ... ضاء، كالموج في الخضم البعيد

كأغاني الطيور، كالشفق السا ... حر، كالكوكب البعيد السعيد

أودع الشابي في الأبيات المتقدمة فنه وروحه وفكره. فهو حسن في الصياغة والتخييل، وبارع في التشبيه والتمثيل، ومن أكثر الشعراء وقوعاً على المعنى الطريف والفكرة العميقة.

فهل لنظيره التجاني شعر يشبهه في روعة المعنى ودقة المبنى. إن التجاني وايم الحق وحيد عصره ونسيج دهره في الإبداع في شعر الحب والجمال. واليك قصيدة تمثل أصدق تمثيل فنه الرائع، وفكره البارع، وخياله العميق، وتعبيره الدقيق. اسمعه يقول: وهو المحب الواله المفتون:

جمال وقلوب

وعبدناك يا جمال وصغنا ... لك أنفاسنا هياماً وحبا

ووهبنا لك الحياة وفجر ... نا ينابيعها لعينيك قربى

<<  <  ج:
ص:  >  >>