وأكلنا التراب حتى مللنا ... وشربنا الدموع حتى روينا
وفي قصيدة أخرى عنوانها (الأبد الصغير) يقول:
يا قلب إنك كون مدهش عجب ... إن تسأل الناس عن آفاته وجموا
كأنك الأبد المجهول قد عجزت ... عنك النهى واكفهرت حولك الظلم
يا قلب كم من مسرات وأخيلة ... ولذة يتحامى ظلها الألم
غنت بفجرك صوتاً حالماً مرحاً ... نشوان ثم توارت وانقضى النغم
ثم يعدد ما انتابه من آلام وأحزان عقبت ما كان فيه من مسرات ولذائذ فيقول:
كم قد رأى ليلك الأشباح هائمة ... مذعورة تتهاوى حولها الرجم
ورفرف الألم الدامي بأجنحة ... من اللهيب وأنّ الحزن والندم
تمضي الحياة بماضيها وحاضرها ... وتذهب الشمس والشطآن والقسم
وأنت أنت الخضم الرحب لا فرح ... يبقى على سطحك الطاغي ولا ألم
ثم يصور أحلامه التي نسجها فتلاشت، وأكاليل فخاره وزينته التي أفنتها العواصف، وأمانيه النضرة بمباهج الفردوس ومتع الجنان، حيث اختفت وزالت. كل ذلك يعطيك فكرة عن نفسه التي برمت بالحياة ما فيها من نعيم أو جحيم، لأنها تستقر بعد الحياة الفانية في دنيا الخلود شابة نضرة مثل الطبيعة لا شيب ولا هرم. كأنها لم تعرف السار البهيج والقاتم الحزين من صور الحدثان وظروف الزمان. إنه يقول هذا المعنى في هاته الأبيات:
يا قلب كم ذا تمليت الحياة وكم ... راقصتها فرحا ما مسك السأم
وكم توشحت من ليل ومن شفق ... ومن صباح توشى ذيله السدم
وكم نسجت من الأحلام أردية ... قد مزقتها الليالي وهي تبتسم
وكم ضفرت أكاليلا موردة ... طارت بها زعزع تدوي وتحتدم
وكم رسمت رسوما لا تشابهها ... هذى العوالم والأحلام والنظم
كأنها ظلل الفردوس حافلة ... بالحور ثم تلاشت واختفى الحلم
تبلو الحياة فتبليها وتخلعها ... وتستجد حياة ما لها قدم
وأنت أنت شباب خالد نضر ... مثل الطبيعة لا شيب ولا هرم
إن التجاني لا يقل عن الشابي مقدرة في صوغ الانفعالات الوجدانية والحالات النفسية في