للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإن أنت تختار الحديد فأن لي ... لسانا على مر الزمان جديدا

فلما سمع القاضي شعره وميز أدبه أعرض عنه وترك الإنكار عليه ومضى لشأنه.

وقد ذكر صاحب نفح الطيب طرفة أخرى لهذا القاضي الذي عم فضله قال: خرج القاضي أبو عبد الله محمد بن عيسى إلى حضور جنازة، وكان لرجل من إخوانه منزل يقرب من مقبرة قريش فعزم عليه في الميل إليه فنزل وأحضر له طعاما وغنت له جارية

طابت بطيب لثاتك الأقداح ... وزها بحمرة وجهك التفاح

وإذا الربيع تنسمت أرواحه ... نمت بعرف نسميك الأرواح

وإذا الحنادس ألبست ظلماؤها ... فضياء وجهك في الدجى مصباح

فكتبها القاضي طربا على ظهر يده. قال الراوي: فلقد رأيته يكبر على الجنازة والأبيات على ظهر يده.

وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فقد حدث الأصمعي قال أنشدت محمد بن عمران قاضي المدينة وكان أعقل من رأيته:

يا أيها السائل عن منزلي ... نزلت في الخان على نفسي

يغدو على الخبز من خابز ... لا يقبل الرهن ولا ينسى

آكل من كيسي ومن كسرتي ... حتى لقد أوجعني ضرسي

فقال: أكتب لي هذه البيات، فقلت أصلحك الله هذا لا يشبه مثلك وإنما يروى مثل هذا الأحداث قال: اكتبها فالأشراف تعجبهم الملح.

على أن أجمل في هذا الباب هذه القصيدة الفكهة الرائعة التي نظمها قاضي الجماعة بغرناطة، وكان على جانب عظيم من الفقه والدين، وقد صرفها في أغراض كثيرة من الدعابة والظرف فجاءت تحفة رائعة زاد في روعتها وزنها وقافيتها، ذكرها المقري فقال: ومن مجون الأندلسيين هذه القصيدة المنسوبة لسيدي أبى عبد الله بن الأزرق وأثبتها كاملة في كتابه النفح وهي ستة وتسعون بيتا ابتدأها القاضي فقال:

عِمْ باتصال الزمن ... ولا تبال بمَن

ثم شبب فيها فأحسن إلى أن قال:

لا أم لي لا أم لي ... إن لم أبرد شجني

<<  <  ج:
ص:  >  >>