للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والحب شديد، والرقباء بعيدون.

وهو ما انفك مذ عرفها في المدرسة، يحاول الكلام معها ويود التقرب منها، فلا يستطيع. فكان يكتم هواه ويتجلد. وربما زور في نفسه جملا حلوة، وكلمات ناعمات، آملا أن تتصل بينهما المودة، فيحدثها بها. . . ولكنه كان يفشل دائماً فيما كان يحاوله. فقد كان أستاذه القصير يقلقه، وكان رفيقه الشيخ المتعصب للدين يزعجه. فهؤلاء أوانس يحرم على الشبان كلامهن، أو النظر إليهن.

وشعت فكرة التحدث إلى حسنائه، في نفسه كالشمس. وشعر بقوة تدب في جسمه. وأخذ قلبه يخفق. . . ورفع رأسه ليرى الشبحين. . . وهم أن يوقفهما، فقد اقتربا منه. وظن أنها ستفرح بلقياه. . . فلقد كان يخيل له أنها تحبه، ودلائله على هذا لا تعد. كم مرة عمد إلى كتب الأدب، فاستفتى صفحاتها، فكانت تغريه. كم مرة فتح دواوين الشعراء، ليعلم (حظه منها) فكانت الأشعار تبشره. حتى لو كانت القصائد على غير ما يشتهي. أنه كان يقنع نفسه أن الشاعر كان يقصد غير ما قال. . . وكم مرة نظرت إليه نظرة، قد تكون عابرة، فقضى الليالي يفسر النظرة ويقول لنفسه: أنها لتحبني. . . فكيف لا تفرح الآن، إذا رأته أمامها. . . أنها لا تفرح فقط، بل ستلقى بنفسها عليه، وستقول له خذني. . . فهاأنذا بين يديك. . .!

وتقدمت زهرة الياسمين، فتبين من معها. أنها رفيقتها بنفسجة فسر. ترى من يجامل منهما؟ وكيف يغازل زهرة الياسمين؟ ألا تغار هذه البنفسجة؟ وقال: أوف، هذه مشكلة جديدة. . . إن زهرته قد تنكره أمام صاحبتها، وقد تسمعه قارس الكلام. . . ولكن كيف يقدم لها ما زور في نفسه من كلمات غزلات، وقد صنعها لها وحدها؟

ومر الشبحان، فتقلص بسام، واختبأ، وحبس أنفاسه.

ثم عاد فرفع رأسه، لقد ضاعت الفرصة. مرت ولم يكلمها لابد من التحدث معها. ولكنه لم يفكر قط في رفيقتها هذي ولم يحسب لها حساباً. . . وخطا خطوات. . . واتجه نحوها.

فسمع هامساً يهمس في أذنه: (أنت شاعر. . . وأديب) فرفع، بلا شعور، رأسه، ونفخ صدره، وامتلاء زهواً. وردد بنفسه: (نعم. . . أديب، لي من سعة المعارف، في الشعر، ما يسهل لي كل عسير. ثم أنا شاعر. . . وشعري رقية للحسان وسحر. . . سأحدثها. فإذا

<<  <  ج:
ص:  >  >>