أعوزني الأمر، نثرت ما حشوت به رأسي، من أشعار، كالزهر).
واندفع. . . تاركا عن يمينه صخرته التي كان يجلس إليها، ثم مشى بحذر فخلف وراءه الطريق الوعرة التي تقوده إلى بستان القرويات الثلاث اللواتي أبغضن الرجال، فتبادلن، كما زعموا الحب. ثم عرج فجأة، فإذا هو وراء الفتاتين، على بعد أمتار. . . لقد أدركهما.
ولكن كيف يبدأ الحديث؟ هذه مشكلة ثانية. . . وأخذ يتذكر، وقد اطمأن أنه وراءهما، ما كان زوره في نفسه. لقد نسى بعض ما زور. . . إن فيه (رأيت إلى الوردة التي عشقها البلبل، يا زهرتي، فطاف في الدنيا يجمع لها اللآلئ ويزينها بها، ويغنيها في الصباح والمساء من الغناء ما يبهجها. إنك لأجمل منها عندما تبتسمين. . .) ولكنه تلعثم. . . ترى أتليق هذه الكلمات؟ إنها خيالات شاعر يغازل بها الورق، لا الحسان. . .! ثم، أتفهم عنه ما يقول. كان يعتقد إن المرأة ليست جديرة بهذا ولكنه كان يجد نفسه مسوقاً نحوها مفتوناً بها. . .!
وحاول أن يذكر جملة أخرى. . . (أنت يا زهرتي، بين أنشودة وبنفسجة، لك الشمس تبدو رفافة بين غمامتين تضحك للدنيا وتغمرها بالنور. . .) فأعجب بما قال وزهى. ولكنه فطن أن أنشودة غائبة، وأن في الليل القمر. وإذن ماذا يقول؟ وتنبه. لقد كادتا تصلان إلى السفح. وها هو ذا طريق القرية يبدو، بل ها هي ذي دار حسنائه، تلمع سقوفها الحمر، تحت ضياء القمر، أنها قريب، في رأس الطريق. ونادى من أعماق نفسه:(يا رب. . . يا رب!) وقبض على أصابعه، وضغط على أسنانه، وفار الدم في وجهه. كيف يحدثها؟ كيف يبدأ الحديث؟ وبم يحدثها؟ وتأفف. ولعن هذه الدراسة الطويلة التي قطع شبابه بها، ثم هو يجبن عن التحدث إلى فتاة. أنه بارد بليد. ولم يجد شفاء لنفسه غير سباب أرسله إلى أستاذه ورفيقه.
وشعت في رأسه فكرة فتمسك بها كأنه يخاف أن تفر. بعد أسابيع سيرسل، وترسل، للتدريس لقد جمعتهما المهنة. فلماذا لا يتخذ ذلك سبيلا إلى التحدث. ولقد كان يغيظه أن يراها تناجي رفيقتها وهو قريب منها ولا تناجيه. يا ويحهما. كأنهما عاشق وحبيب.
وبلغ السفح، وهو يمشي على رود، ويئس وفكر في الرجوع، وانثالت على رأسه فكر جديدة:(هيا. لأتعثر عمدا فأتدحرج أمامهما. . . عندئذ تقفان. . . وعندئذ أحدثها. . .) وهم