وتشجع ولكنه جبن. لقد خاف أن يتبعثر شعره الذي صففه ورجّله.
وخشي أن تضحكا منه وتهزئا به، فأجفل، ووقف، والفتاتان مسرعتان.
ورآهما وقد بلغتا طريق القرية تهرولان فجمد بصره. وشعر كأن في عنقه حبلا يشد به نحوهما. فهرول هو أيضاً بلا وعي، وأخذ وهو يهرول يلوم نفسه ويشجعها ويدفعها أن تحييهما، فالتحية مفتاح الحديث. وأسرع في العدو وقد خاف أن يفوته إدراكهما. لقد بلغتا القصر. . . هذا القصر الذي زينت جدرانه بالياسمين، وتدلى فوقه زهر أحمر يسمونه (الزهر الفرحان) وأسرع. . . وجهد نفسه. . . وفي عينيه نار، وفي قلبه نار. . . آه! ليت الطريق تطوى. . . وليت قلبه لا يخفق. . . ليستطيع إدراكهما. . .
وبلغ القصر، وهو يلهث. فتشجع، وابتسم. وفي اللحظة التي فتح فيها فاه ليقول بصوت راعش:
- مساء الخير يا آنسة. . . مساء الخير. . .
كان باب القصر يغلق. . . وزهرة الياسمين، تغيب. . .
وأغمض عينيه، وشحب وجهه، وأطرق برأسه. ثم مضى وفي عينيه دمعة.
وردد النسيم الهائم في تلك الليلة تحيته اليائسة، وتهامس الزهر العارش. . . (إنه مسكين. . . إنه مسكين!).