غضبه على العاشقين في مسرحياته وقصائده، يصرح حيناً ويلمح أحياناً. ففي مسرحيته جعجعة ولا طحن يذكر الحادثة بصورة جلية على لسان (كلوديو) ناصحا للعشاق ومحذرا لهم من الوقوع فيما وقع هو فيه إذ يقول: (حقاً إن الأمير يبثها غرامه ويستهويها لنفسه. إن دعائم الصداقة تكون ثابتة متينة في كل شيء ما عدا أمور الحب؛ فنصيحتي للمحبين ألا يتخذوا وسيطاً بينهم وبين من يحبون، بل ليبثوا غرامهم بأنفسهم، ذلك لأن الجمال نوع من السحر لا تلبث الأمانة أن تزول أمامه وتتلاشى).
ولقد تشتد بالشاعر الأزمة ويضيق (بماري) ذرعه ويرعد ويزيد مهددا إياها بأنه سيهجوها أقذع الهجاء وأقساه؛ ولكن فاته أن امرأة (كماري فتون)، التي كانت تلد نغلا بعد نغل دون ما حياء أو خجل، لا يهمها ما يكتب عنها بعد ما ذاع أمرها بين الملأ، وأغلب الظن أنها كانت تقابل التهديد بشيء غير قليل من السخرية والاستخفاف.
إذا أردت أن تعرف رأي شكسبير في (ماري فتون) هذه فما عليك إلا أن تقرا مسرحيته (أنطونيو وكليوباترة) فما (أنطونيو) سوى شكسبير وما (كليوباترة) سوى (ماري فتون) وإليك البيان.
(أنطونيو): إن مكرها لا يكاد أن يتصوره عقل إنسان.
(أنوبربس): مهلا سيدي لا تقل هذا. إن عواطفها لمن أنبل العواطف وان حبها لصاف نقي لا تشوبه أية شائبة
(أنطونيو): لكم وددت إني لم أراها قط.
(أنوبربس): ولكن تكون في تلك الحالة يا سيدي قد فاتتك قطعة من الفن مدهشة؛ وتصبح رحلتك بدونها جافة عقيمة بهذه الأسطر الوجيزة عبر لنا شكسبير عن رأيه في (ماري فتون). أنها شر لا بد منه
ثم يصيح على لسان (أنطونيو) والحسرة تكاد تمزق أحشاؤه (إلى أين قادتني مصر؟)
إلى الهاوية ولا ريب.
كان ذلك في ١٦٠٨ وكان قد مضى على تعرفه (بماري فتون) إحدى عشرة سنة، ذاق في أثناءها الأمرين، فانطوى على نفسه، وأخذ يخرج تلك المآسي الرائعة، حتى وهن جسمه، وانهدت أعصابه، ونال منه الإعياء فانسحب إلى (ستراتفورد)، مسقط رأسه، ليقضي ما