يذهب (فرانك هارس)، الناقد الإنكليزي الشهير إلى أن حياة شكسبير في لندن حتى سنة ١٥٩٧ - السنة التي تعرف فيها إلى (ماري فتون) - كانت سعيدة إلى حد ما على الرغم من هذه السحابة القاتمة المتغلغلة في نفسه. لقد كان، وهو في الثالثة والثلاثين من عمره أعظم شاعر ومؤلف للمسرح أنجبه التاريخ، وكانت أواصر الصداقة تربطه مع (الايرل أوف ساوثمتن) واللورد هربرت (بمبروك)، وهما شابان أرستقراطيان عريقان في المجد، وهذان قرباه إلى القصر.
ومن طريف ما يذكر إن الملكة (اليزابيث) شاهدت مرة رواية (الملك هنري الرابع) فأعجبت (بفلستاف)، تلك الشخصية الجذابة المرحة، فأوعزت إلى شكسبير رغبتها في أن ترى (فولستاف) عاشقاً قد تيمه الحب. فنزولا على رغبتها أخرج شكسبير في مدة لا تتجاوز الأسبوع مسرحيته (زوجات وندسور المرحات) فكان نصيبها الفشل، ذلك لأن الفن العالي لا يخضع للمؤثرات الخارجية ولا يصدر إلا من منبع واحد هو وحي الفنان!
والآن من هذه السيدة (ماري فتون) التي سيطرت على فؤاد الشاعر وأضرمت فيه نار الحب؟ أنها وصيفة الملكة (اليزابيث)، في التاسعة عشرة من عمرها ومن عائلة عريقة في المجد. لقد وصفها شكسبير بأنها امرأة لا كالنساء، فارعة القوام، شاحبة اللون، عيناها وحاجباها سوداوان، غجرية الطبع، متغطرسة، متمردة خليعة، من أرومة عريقة في المجد وصاحبة مركز رفيع.
هذه هي المرأة التي جن بها الشاعر، فما هي صفات شكسبير ومؤهلاته حين ذاك؟
لقد كان في الرابعة والثلاثين من عمره، ضعيف البنية، محطم الأعصاب، خجولا، فقيراً، شاعراً. ولكن أغلبية الشعب في ذلك العصر، عصر البطولة الجسمية، لم تكن تحفل بالشعر والشعراء، وكانت تفضل مصارعة الديكة على أية تحفة في الفن والأدب.
لذلك لم يجد شكسبير من نفسه الشجاعة لبث هواه اللاعج لحبيبته بنفسه، فرجا صديقه (اللورد هربرت) أن يقوم عنه بهذه المهمة فقبل، ولكن (ماري فتون) تشبثت باللورد الشاب الوسيم وبادلها هو أيضاً الحب وخلفا الشاعر يندب الصداقة والوفاء.
على أن شكسبير لم تخمد جذوته بل زاد وجده ضراما على مر الأيام.، فما انفك يصب جام