للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وجاء مع العروس سيدات وفتيات من أهلها فاقمن في بيت ملتن أياما نعمن فيها بما أقامه من زينات ومباهج وأفراح أحاط بها هذا العرس حفاوة منه بعروسه، وشوقا منه إلى المسرة وقد تحمل سام العيش وقسوته زمنا طويلا في حرب القساوسة ومكابدة الدرس ومعاناة التعليم.

وانصرف أهل العرس وتركنها في كنف زوجها الشاعر الفذ والفيلسوف المرموق المكانة، ولكنها ما لبثت أن لحقت بهن ولم يكد ينتهي شهر العسل، الأمر الذي دهش له أصحابه اكثر مما دهشوا لزواجه المفاجئ.

وكانت العروس قد أرسلت إلى أمها تسألها أن تكتب إليها لنحضر إلى بيت أبيها لتقضي هناك بقية الصيف، وما كان أبواها ليجيباها إلى ما طلبت ولم يكد يمضي عليا شهر في بيت بعلها، لولا أنهما ظنا أن وراء طلبها سرا حملها عليه؛ وكان ملتن يعلم ذلك السر فوافق على رحيلها لأنه أيقن أن لا شيء اجدر من نصيحة أمها بان يصلح شأنها ويبث في قلبها شعور الواجب نحو زوجها؛ فرحلت عنه عذراء كما جاءته عذراء. . .

وحل الموعد الذي حددته لعودتها ولكنها لم تعد، فكتب إليها ملتن فلم تجبه، فأرسل إليها رسولا بكتاب منه فأصرت على صمتها وأهانت الرسول، فوقع في وهمه أنها لن تعود أبدا، وابتأست نفسه بما فعلت وامتلأ قلبه منها غيضا وحنقا

وحار أصحابه في أمرها كما حار من كتبوا حياته من بعد إلى أي شيء يردون مسلكها أكان ذلك منها لأن زوجها بيوريتاني من أنصار البرلمان في حين كان أبوها من اتباع الملك وأنصاره وقد اشتعلت نار الحرب بين الجانبين؟ أم كان ذلك لأنها كانت من قبل في موطن يعج بالحياة والإنس حيث كان يغشى جند الملك بيت أبيها بين الفينة والفينة فتقع عيناها هناك على وجوه جديدة وتسمع أنباء جديدة، فانتقلت منه إلى بيت شاعر عاكف على كتبه وأوراقه تشيع في أنحائه الوحشة ويسد السكون ولا تسمع فيه من الأصوات إلا بكاء من يضربهم ملتن منى طلابه؟ أم نال من كبريائها أن أباها كان مدينا لأسرة ملتن بمبلغ من المال عجز عن أدائه، فإن دخله من أرضه ومن مال زوجته لم يكف نفقات عيشه إلا بجهد نظرا لكثرة عياله ولما كان يهبط داره من الجند وغيرهم من أنصار الملك؟ أم خيل إليها وهي ابنة سبعة عشر عاما لم تحس بين يدي زوجها وقد كان عمره ضعف عمرها ما كانت

<<  <  ج:
ص:  >  >>