للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تحس به لو أنها كانت بين يدي شاب في مثل سنها؟ أم إن ما بينها وبين زوجها من تفاوت عظيم في الثقافة ومن اختلاف في النظر إلى الحياة نتيجة لهذا التفاوت قد جعلاها تخجل من نفسها وتحس ضآلة شخصيتها إلى جانبه وتشعر أنها غير حقيقة بان تدخل على نفسه من السرور ما يطمع فيه رجل من زوجته؟

كل أولئك في الواقع كان خليقا أن يلحق الفشل بهذا الزواج. ما أهل العروس فقد عولوا ألا يردوا هذا الفشل إلا إلى الخلاف في السياسة والدين بينهم وبين ملتن البيوريتاني البرسبتيري الذي يميل إلى جانب الرؤوس المستديرة كما كان يسمي جند البرلمان بينما هم ينحازون إلى جانب الفرسان كما كان يسمي جند الملك في هذه الحرب الأهلية الدائرة الرحى على أنهم يحسون بينهم وبين أنفسهم إن ذلك لا يكفي وحده للمباعدة بين الزوج وبين عروسه على صورة لا تكون إلا لنفور أحدهما من الآخر نفورا لا تجدي معه حيلة، ولا تفسره إلا تلك الأسباب التي ذكرناها مجتمعة، فقد انقضى شهر العسل ولم يقضي منها وطرا، وكان النفور من جانب العروس لأن الزوج ظل يدعوها بكتب متلاحقة لتعود إليه فلم يجد منها إلا إعراضا وإصراراً. . . . . .

وحق اللوم على ملتن فهو الذي اختارها زوجة له، وكان جديرا أن يتدبر ما كان بينها وبين أبيها من فوارق وما بينه وبينها من تفاوت؛ على أن عين الحب عمياء كما يقول شكسبير، وعين الرضا عن كل عيب كليلة كما يقول أبو الطيب، وقد كان ملتن كما رأينا في سالف مواقفه سريع التأثر بسر المرأة يتهافت على ما يصوره له خياله الشاعر من الجمال تهافت الفراشة على الضوء، فقد احب كما علمنا من أمره وهو في صدر شبابه فتاة وقعت عليها عيناه لأول نضرة في زحمة لندن ولم يراها بعد ذلك أبدا، حتى لقد عول على الهرب من لندن مخافة أن تصيده سهام كيوبيد. ولقد تعرض لهذه السهام في إيطاليا كما رأينا، وما زال يتحاماها وهو الحريص على عفته حتى وقعت عيناه على هذه الفتاة الريفية وكانت تهجس أحاديث الزواج في نفسه كما تبين في رثائه صديقه ديوداتي، فاقبل على الفتاة وقطع أمره في غير روية، فما به خوف اليوم من كيوبيد والمسالة مسالة زواج - وهكذا تصيده السهام ويملك قلبه الحب

واختلف مؤرخو حياة الشاعر في هذه الفتاة أكانت جميلة ساحرة أم كان حظها من الجمال

<<  <  ج:
ص:  >  >>