بحيث لا يصل إلى حد الفتنة؟ فمنهم من يؤكد سحر جمالها، وحجته أنها لو لم تك كذلك ما بلغت من نفس الشاعر بمثل السرعة وهو الذي لا تخطيء الجمال عيناه. ومنهم من يؤيد الرأي الآخر وحجته أنه لم ترد فيما ذكر الشاعر عنها إشارة إلى سحرها، وما افتن ملتن منها إلا بما رآه من وداعتها وخفرها ونظرة الريف في محياها وجسدها، والشاعر خليق أن يضيف بخياله إلى محاسنها جمالا فترى عيناه فيها ما لا يرى غيره من الناس. على أن هؤلاء وهؤلاء لا يتجاوز كلامهم الاستنتاج فلم يقع أحد منهم على دليل لما يقول؛ ومهما يكن من شيء فإن عين الحب عمياء وعين الرضا عن كل عيب كليلة، ولقد كان ملتن تلقاء فتاة قروية في السابعة عشرة إلا تكن فارهة الجمال فقد كانت في روعة الشباب، وقد جمع للزواج عزمه، فما اسهل أن تريه عيناه فيها من معاني الجمال والطهر والعفة في بيت أبيها الريفي ما يتغلب في خياله الشاعر على كل عقبة. . .
ولقد اقض الألم مضجعه لهذا الفشل وقد كان يطمع أن يسكن إليها ويجد بين يديها مودة ورحمة، كما ملأ الحنق نفسه لما أصاب كبرياءه برفضها العودة إليه وإهانتها رسوله، وقد كان يظن أن نصيحة أمها وحزم أبيها سيعودان بها إلى الصواب. . .
ولا ريب أن ملتن كلن يستشعر في نفسه الخجل والندم كما استشر الألم، وذلك أن اختياره ماري بوول متأثرا بمظهرها على هذه الصورة العاجلة إن هو إلا اندفاع العاطفة في فورة من فوراتها، وإلا فماذا دفعها إلى هذا الاختيار ولم يك يعرف ماري بوول من قبل حتى يظن أنه انس فيها من الصفات ما يهتم به شاعر مثله كالذكاء والثقافة وبراعة الحديث وما يتصل بها؛ وكان خليقا وهو الذي طالما افتخر بامتلاكه زمام نفسه وطالما اعتقد أنه قادر على كبح جماح عاطفته أبدا، أن يندم ويألم فقد سيطرت عليه عاطفته، وتغلب الجسد في نزوعه الشديد نحو رغبة له اتقدت، وليهت حقق بالزواج تلك الرغبة؛ فلئن تزوج فما هو بمتزوج إذا صح هذا التعبير، ثم أنه أخذ يطفئ في نفسه جذوة جسده ووقدة عاطفته مستعينا بالصبر والصوم؛ ولقد اثر انقياده لعاطفته على هذا النحو على ما كان فيه من كبرياء أثرا عميقا في حياته وفكره سوف يظهر في فلسفته وفنه.
ومما زاده غما وألما أنه كان بعد أن هجرته زوجه لا يستطيع بالضرورة أن يتزوج غيرها، وهذا في ذاته قيد ظن؛ وهل كان يستطيع أن يحمل نفسه على قبول هذا القيد لأن