للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الدين أو لأن الكنيسة تحول بينه وبين الطلاق إلا وفق شروط معينة؟ ومتى خضع إلا ملا يهديه إليه فكره، وقد نزع إليه وجدانه وتعلق به إيمانه؟ وإذا كان هو نصير الحرية الذي دافع عنها أمام تعصب القساوسة فكيف يتخاذل عن نصرتها الآن؟ ألا يستطيع أن يدع الجانب الشخصي من فشله في زواجه فلا يتعرض له ثم يخلق من الحادثة في ذاتها موضوعا عاما؛ فيكتب دفاعا عن الحرية في ناحية من نواحيها واعني بها الناحية الشخصية؟ بلى أنه لقادر على ذلك وأنه لفاعله، وأنه لنصير الحرية الشخصية اليوم.

ويمكننا أن نتصور حالته النفسية في هذا الموقف، فهذا رجل ذو كبرياء وأنفة، طالما افتخر بتغلبه على شهوات نفسه، وقد عاش حتى الخامسة والثلاثين من عمره عيشة الطهر والعفة مستعينا بعزم المصمم على قهر وساوس الشباب، يسمو في طهره على الناس ليكون أهلا لرسالته التي يستشرف لها، ويقبل على دراساته ليتهيأ إلى ما يتطلع إليه، ثم إذا به يجد نفسه، وقد ارتطم في ورطة بسبب انقياده لعاطفته بعد طول امتنع، ولئن كلن ما وقع فيه لم يعد كونه أمرا مشروعا هو الزواج، إلا إن فشله في اختيار زوجته كان نتيجة تسلط عاطفته على عقله أو تغلب جسده على روحه، وان ذلك ليشعره بينه وبين نفسه أنه لم يعد إنسانا كسائر الناس؛ ولكم نال ذلك من كبريائه وادخل الغم على نفسه، فضلا عن أن ما انتهى إليه إنما هو حد من حريته.

على أن كبرياءه تأبى عليه إلا أن يلتمس مخرجا لنفسه فما يطيق أن يذعن، ويجد ذلك المخرج في تقريره إن العاطفة في ذاتها من الأمور المشروعة التي وضعها الله في الإنسان، وما لم تنطوي على جريمة فلن يضير المرء أن تقوده إلى خطا؛ ويستنكف أن يشير إلى مسألته الشخصية، فيعمد إلى فلسفة عامة في الزواج والطلاق ينفس بها عن نفسه ويراب بها ما تصدع من كبره، فإذا كانت العاطفة أمرا مشروعا فوجب أن تكون العلاقة بين الزوجين على أساسها، فيكون الزواج اتفاق عاطفتين أو التقاء روحين، فإن كانت العلاقة على غير هذا الأساس، وكانت مجرد التقاء جسدين، أو كانت العاطفة لا تقابلها مثلها في الناحية الأخرى بطل الزواج ووجب الطلاق؛ وهو إنما يبتكر بذلك سببا للطلاق لم يتجه إليه أحد من قبله، ومرده إلى المنطق لا إلى شريعة سماوية أو قانون بشري؛ على إن كلامه هذا في الوقت نفسه ينطوي على تأنيب منه وزجر لنفسه، وإلا فهل فكر قبل

<<  <  ج:
ص:  >  >>