اختياره مالي هل كانت عاطفتها تجاوب عاطفته، أم كان الأمر أمر افتتان بها لم يتمالك عندها نفسه؟ وإذا فهو الملوم وحده.
ولكنه يقدر وقوع الخطأ، فقد يخدع الإنسان فيمن يخطبها لتكون زوجه، ويحس أنها تبادله عاطفة بعاطفة؛ فإذا وقع الخطأ فعلا فما السبيل إلى تجنب ما يجره ذلك الخطأ من عواقب هي شر منه فلا سبيل في رأيه غير الطلاق، وإلا فكيف يتباعد الزوجان ولا يستطيع كلاهما أن يتزوج غير الآخر؟
بهذه الآراء البالغة الجرأة والخطر في أمر له أهميته وخطورته في المجتمع قذف ملتن الناس في كتيب نشره في أغسطس سنة ١٦٤٣ وسماه (قانون الطلاق ونظامه)، ولم يك غافلا عما كانت مثل هاتيك الآراء خليقة أن تثيره من سخط وغضب ودهشة تشبه الجزع في الأوساط جميعا، ذلك أنه كان يدرك أنه كان طلعة في تناول الموضوع على هذا النحو، ولكنه كما يقول الإنجليز احرق القوارب كلها من ورائه وليس يبالي أيبلغ ما يريد أم يهلك دونه.
ويزخر هذا الكتيب بحماسة شاعر عظيم تدفعه للكلام روح قوية نبيلة وألم يمنح جوانحه لما لحق كبرياءه، وغضب عاصف كما هاج البحر ثائر كما تأججت النار، ولذلك تقع فيه على مظاهر الحماسة قوية رائعة، فيرسم الشاعر طائفة من المثل العليا للحياة الزوجية، ويصور الألم والخيبة التي تعقب الزواج الفاشل، ويبدع إذ يستند إلى العقل والمنطق في براهينه، وإذ يسوق الأدلة التي تؤيد رأيه من الإنجيل، وإذ ينقض ما ينهض فيه حجة عليه، ويبلغ ذروة الإقناع والفصاحة إذ يدعو إلى تحرير العقل من حرفية القانون، وهو في ذلك كله يصل من البلاغة إلى ما لم يصل إليه في كل ما كتب قبله، والحق انك تجد في هذا الكتيب ملتن الرجل وملتن الفيلسوف وملتن الشاعر على خير ما يكون من حالاته في ذلك جميعا وان كان النثر وسيلته وأداته.
وكان يعتقد ملتن أنه خرج من الشؤم الذي لحقه بخير يسوقه للناس جميعا، فهو يخيل إليه أن ما انتهى إليه من رأي في الطلاق إنما هو خلاص للبشر من قيد بغيض ظالم يوبق أرواحهم ويريهم مثل حياة الجحيم في هذه الدنيا، وذلك هو معيشة الزوجين معا على رغمهما لأنهما ارتبطا برباط الزواج.