ويضحك ما واتاه الضحك، ويتخفف من همومه ولو إلى حين.
على إنها لم تكن تدرك إنها طفلة! فكانت تحاكي الكبار وتقلدهم فيما يصدر عنهم من قول أو فعل أو إشارة. ومن بوادر ذلك مساعدة أمها في أعمال البيت والقيام على مراقبة نظافته والعناية بشؤونه! ومن ذلك أيضاً أنها ما كانت تبخل على أحد بالنصيحة وإمداده بالري الصائب في رفق العقلاء المجربين وتوددهم ودماثتهم.
وكان يشق عليها أن يوجه إليها انتقاد، فيحمر وجهها ثم تحتال على الاعتذار فتحسن الاحتيال، وتشفع عذرها بابتسامة خجول، وتعد بألا تعود.
ولعل سر هذه الفتنة التي اختصت بها إيلو أو إبلا أو إيلين هو هذا التعقل والتوقر المكتسبان بتقليد الكبار ومحاكاتهم وهي بعد في بكور هذه الطفولة البريئة الجميلة، المحبوبة بطبيعتها. فكان المزاج من الطفولة والنضوج، وفيه هذا التوافق المصنوع والتناقض المطبوع، سحراً خالباً غالباً تتفتح له القلوب بلا مقاومة ولا عناء.
كان حديث أمها في بدئه عاديا طبيعيا تتخلله الابتسامات، ثم اخذ صوتها يكتئب ويرتعش؛ ثم شرعت تنفس عن نفسها بالتنهد والتحسر بين حين وحين كلما اقترب الحديث من آخره، وكانت تزيدني رغبة في الإنصات إليها هذه اللكنة الأرمنية الحلوة التي لم تقو على مغالبتها عشرون سنة أقامتها في بغداد بين زوج عراقي وجيرة عراقيين.
قالت:
(. . . فلما بلغت إيلو عامها الرابع رزقت غلاما كان شؤماً على نفسه وشؤماً وعلى أخته وعلينا. فقد مات بعد موت إيلو بأسبوعين، بعد أن قضى عليها وأفسد صفو حياتنا. وكان أول عهدها به أنها رأت كتلة صارخة من اللحم تضطرب في المهد، فدنت منه بحذر وأنعمت نظرها فيه، وإذا طفل لم تره من قبل وصراخ لم تألفه في البيت. فرابها أمره وأوجست منه خيفة، والتفتت إلى تقول:
ماما. . . ما هذا؟! فقلت لها: أنه أخوك وديع. فقال: أخي! ولم يصيح هكذا؟ إني لا احبه!
إنها لا تحبه. . . كلمة سبقت منها كأنها ألهمتها إلهاماً قبل أن تعرف خطرها أو تدرك سببها أو تعلم ما سيكون لها في حياتها وموتها من شان. وقد زادتها الأيام بغضا له كلما رأت أن له عندنا أهمية أو قيمة، أو وجدتنا نكترث له أو نعنى بشؤونه. فهي يشق عليها