من الكتب على طراز اليتيمة كدمية القصر للباخرزي، وخربدة القصر لعماد الدين الأصفهاني، وريحانة الألباء لشهاب الدين الخفاجي، وسلافة العصر في محاسن أعيان العصر، لأبن معصوم المحبى.
كذلك فعل الأدباء اللغويون كالأصمعي في كتابه (فحول الشعراء)، فقد توخى فيه تمييز فحول الشعراء من غيرهم بأحكام لا أسباب لها، وأقوال لا غناء فيها؛ ومثله سائر اللغويون والرواة الذين سجل الأصفهاني آراءهم في أغانيه، فإنها لم تعد أن تكون آراء شخصية لا تقوم على دليل ناهض، ولا تعتمد على قاعدة عامة. وسواء أكان النقاد من الأدباء أم كانوا من اللغويين فإن أحكامهم كانت تصدر على الشاعر في جملته، أو على بيت أو بيتين أو ثلاثة في قصيدته. . .
ولم نعثر على مثال من النقد البياني لقطعة كبيرة من الشعر إلا في كتاب إعجاز القرآن لأبي بكر الباقلاني، حين حاول أن يبين ما جاء من العوار في نصف معلقة امرئ القيس، على أنه لم يستطع إنصاف ولم يبرأ من الهوى.
ولقد أكثر البيانيون من سرد الأبيات المفردة مستشهدين بها على قواعد المعاني والبيان البديع، ولكن أحدا منهم لم يوفق إلى عقد باب للنقد البياني يضع فيه قواعده ويرسم حدوده ويبين غايته.
نعم، لقد ألف قدامة بن جعفر كتابا سماه (نقد الشعر) يقول في أوله: (العلم بالشعر ينقم أقساما، فقسم ينسب إلى علم عروضه ووزنه، وقسم ينسب إلى علم قوافيه ومقاطعه، وقسم ينسب إلى علم غريبة ولغته، وقسم ينسب إلى علم معانيه والمقصد به، وقسم ينسب إلى علم جيده ورديئه، وقد عني الناس بوضع الكتب في القسم الأول وما يليه إلى الرابع عناية تامة، فاستقصوا أمر العروض والوزن، وأمر القوافي والمقاطع، وأمر الغريب والنحو، وتكلموا في المعني الدال عليها الشعر، وما الذي يريد بها الشاعر، ولم أجد أحدا وضع في نقد الشعر وتخليص جيده من رديئة كتابا، وكان الكلام في هذا القسم أولى بالشعر من سائر الأقسام) ولكن المؤلف لم يخرج عن السنن المألوف في ذكر ما يحسن أو يقبح الأبيات المفردة أو المقطوعات القصيرة، على منهج لا يختلف عن مناهج المتأخرين من أصحاب البيان والبديع