للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بيديه على نحو ما أمروه أن يفعل إذا هو وصل. . . وجعل يحدق في الظلام فرأى كأن شخصا عظيم الهامة له لحية بيضاء عريضة قد نبع من الأرض، ففزع وإرتاع، ولكنه سمع صوتا إنسانيا يناديه باسمه ويدعوه إلى أن يتبعه، فعلم أنه الحارس الموكل بباب المعبد، فلحق به وقلبه يخفق تطلعا إلى ما وراءه من خفايا وأسرار، فأجتاز به سردابا طويلا ملتويا تضيئه مصابيح نحاسية منقوشة، يخرج منها لهيب أزرق يتراقص فيلقى على الجدران الصخرية ظلالا عجيبة، وفي السرداب تماثيل (آلهة) ذات صور بشعة مرعبة، يومض من عينيها ضوء أحمر فيكون لها منظر يخلع قلوب الجبابرة. . . وفي السرداب شقوق يدخل منها الهواء فيصفر صفيرا مخيفا كأنه صوت سرب من البوم. . . ثم دخل به غرفا منقورة في الصخر حتى انتهى به إلى قاعة الكهنة الذين لا يراهم أحد لأنهم لا يخرجون من المعبد، وقل أن يدخلوا أحدا عليهم، والذين كانوا هم حكام البلد وملوكه وأصحاب الكلمة فيه، لا يجرؤ على مخالفة أمرهم أحد إلا حقت عليه لعنة (آلهة. . .) المعبد، ذات الوجه البشع المرعب. . .

لم يستطع الرجل من دهشته أن يدير نظره فيما حوله، أو أن يملأ عينيه من الكهنة ومن كان معهم، وسمع كلاما بنصب في أذنيه بصوت خافت رهيب كأنما هو يسمعه حالما. . . وفهم أن المتكلم يذكر ماضي سمرقند وسالف مجدها، وكيف هبط عليها هؤلاء المسلمون هبوط البلاء، فأزاحوا عرشها، وحطموا جيشها، وحكموا وملكوا أمرها، ثم أفاض في الكلام على الخطة التي اختطها لإفساد أخلاقهم ودينهم، وإضعافهم وإلقاء الخلف بينهم، وكانت خطة شيطانية أرتجف لسماعها، ثم عاد المتكلم فقال:

- غير أنا رأينا أن نرجئ خطتنا، ونرمي أخر سهم في جعبتنا، وذلك أنا سمعنا أن لهؤلاء القوم ملكا عادلا يقيم في دمشق، فأزمعنا أن نرسل إليه رسولا يرفع إليه شكايتنا، ويشرح له مظلمتنا، ثم نرى ما هو فاعل، وقد اخترناك لمعرفتك العربية وجراءة جنانك لتكون أنت الرسول؛ فهل أنت راض؟ قال: نعم. قال: أمض بتوفيق الآلهة. . .!

وخرج وما تسعه من فرط الزهو الأرض، وأحس من الخفة والنشاط أنه سيطير، ورأى ظلام الليل أبيض مضيئا، ولقد اعتدها نعمة كبرى أن دخل المعبد وكلم الكهنة، وكان موضع ثقتهم ونجواهم، وأن أولوه شرف القيام بأضخم مهمة عهدوا بها إلى أحد، وشعر أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>