قال الرجل مبتسما: لا هذا بيت الله، هذا المسجد، أصليت؟
صلى؟ وكيف يصلي وهو على دين سمرقند، ذلك الدين الذي لا يعرف منه إلا هذا المعبد المملوء بالأسرار، وتلك الآلهة المخيفة ذات الوجه البشع المرعب. . . وجعل يفكر: أين هذا المعبد من معبده المختبئ في بطن الصخر، وأين هذا النور وهذا الجمال، من تلك الظلمة وذلك القبح؟ وشك لأول مرة في عمره في دينه الذي نشأ عليه!
وأعاد الرجل سؤاله. فقال له لا لم أصل، ولا أعرف ما الصلاة. . .
- قال: وما دينك؟
- قال: أنا على دين كهنة سمرقند؟ قال: وما دينهم؟
- قال: لا أدري!
- قال: من ربك؟
- قال: آلهة المعبد المرعبة. . .
- قال الرجل: وهل تعطيك إن سألتها؟ وهل تشفيك إن مرضت؟
- قال: لا أدري. . .
ورآه الرجل ضالا جاهلا، فألقى في هذا القلب الخالي أصول الدين الحق بوضوحها واختصارها وجمالها، فلم تكن إلا ساعة حتى صار رسول كهنة سمرقند مؤمنا بلله ورسوله محمد الذي جعل الله به العرب سادة الدنيا، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين. . .
ثم قال الرجل قم الآن أدلك على دار الخليفة، وإن كانت هذه هي الساعة التي يعالج شأنه فيها وشأن عياله، وينفرد بنفسه.
وتبعه وهو يفكر في جمال هذا الدين وسموه، وقد زالت الغشاوة عن عينيه فأدرك الآن سر هذا الفتوح وهذه القوة التي لم يقم لها شئ. أين هذه الديانة السافرة الواضحة التي تجعل كل واحد من أتباعها كاهنا لها ورجل دين. . . من تلك الديانة المجهولة الخفية. . . أين. . .
وخرج من المسجد، من باب غير الذي دخل منه، فما راعه إلا الرجل يقول له، مشيرا إلى باب من ألواح الخشب، غير مصبوغة ولا منقوشة: هذه داره!
هذه؟! أيمكن أن تكون دار الخليفة دون دور السوقة من رعيته، وقد مر عليها فرأى فيها