ولقد كان من نتيجة عدم الاكتراث السائد الذي نشأ من عدم وجود عقيدة عامة كما كان من نتيجة الأثرة التي ولدتها مداومة التبشير زمنا طويلا بنظرية الرفاهية المادية؛ كان من نتيجة ذلك أن الذين لم يتذوقوا طعم الشقاء تعودوا على مر الأيام أن ينظروا إلى هذه الآلام كضرورة سيئة للنظام الاجتماعي، وأن يتركوا أمر علاجها للأجيال القادمة.
وليست الصعوبة في أن تقنعوهم، بل في أن تزيلوا عنهم كابوس الجمود، وأن تحفزوهم إذا ما اقتنعوا إلى العمل وإلى لم شعثهم، والتعاون معكم تعاونا أخويا في سبيل خلق نظام اجتماعي يكفل القضاء - إلى الحد الذي تجيزه ظروف الإنسانية - على آلامكم أنتم، وعلى مخاوفهم هم. والآن ندرك أن هذا من عمل الإيمان، الإيمان بالرسالة التي قدرها الله على الإنسان في هذه الدنيا. والواجب الذي يحتم على كل فرد أن يجاهد دوما باذلا التضحية الذاتية من أجل قضية الحق. أما نظريات الحقوق على شتاتها، ونظريات الرفاهية المادية فليس لها من أثر غير أن تحملكم على القيام بالمحاولات التي طالما بقيت منفردة موقوفة على قوتكم فحسب، فلن يقدر لها فلاح، فضلا عن أنها لابد أن تؤدي إلى ارتكاب أشنع الجرائم الاجتماعية بإثارتها حربا أهلية بين الطبقات.
أيها العمال الإيطاليون! أي إخواني! لما أتى المسيح وغير وجه الأرض لم يتكلم عن الحقوق، لا إلى الأغنياء الذين لم يكونوا في حاجة إلى الحصول عليها، ولا إلى الفقراء الذين ربما كانوا يسيئون استخدامها في مجاراتهم للأغنياء. لم يتكلم عن الفائدة أو النفعية إلى أمة أفسدتها الفائدة وأضرتها النفعية؛ إنما يتكلم عن الواجب. تكلم عن المحبة والتضحية والإيمان. قال:(يجب ألا يتصدر الناس إلا من أحسن بعمله إلى الناس أجمعين). فلما أن نفذت هذه الأفكار إلى سمع مجتمع لم يبق في فؤاده أي بريق في الحياة أحيته من جديد، وتسلطت على الملايين بل على العالم، ونهضت بتربية الجنس البشري نهضة جديدة.
أيها العمال الإيطاليون! أنا نعيش في عصر كعصر المسيح. أنا نعيش في وسط مجتمع فاسد شبيه بعصر الإمبراطورية الرومانية، ونحس في نفوسنا بضرورة تغييره وبعثه بعثا جديدا، ولم جميع أعضائه وعماله تحت راية إيمان واحد، وغرض واحد. أي أن الواجب علينا أن نرعى جميع المواهب التي أنعم بها الله على العباد، وأن ننشئها على غرار الحرية والتقدم، وأن نترسم حكم الله في الأرض كما في السماء. أو بعبارة أفضل أن تكون