وقد أشرنا إليها في كتابنا عن شعراء مصر وبيئاتهم وقلنا في سياق الكلام على عبد الله فكري باشا:(إننا لا نعرف بين كبار الشعراء في العالم كله واحدا صرف إليها شعره وجعلها من أغراض فنه).
وهذا أيضاً صحيح، لأن كبار الشعراء في العالم معروفون، وليس نظم الحكم والأمثال من الأغراض التي تتعذر على من دونهم من الشعراء بكثير.
وعلى مكان هذه الحقيقة من البداهة لا مانع عندنا أن يجهلها بعض الناس، وأن يتشككوا في عمومها وشمولها، ولكن المانع عندنا أن يعتبر تقريرنا لها (جريمة تهويل) وإقحام للدعاوى في غير موضعها. . . كأننا نزج بأسماء كبار الشعراء في مقام لا يدعونا إليه إلا المباهاة بذكرهم، والظهور بهذه المباهاة!
وهذا الذي صنعه السيد عبد الغني حسن حين سأل مستهولا: ما دخل كبار الشعراء في العالم كله في ميدان هو بشعراء العربية أشبه؟).
فإن هذا الإستهوال نفسه لهو غاية ما يمكن من الادعاء مع جهل الصواب وقلة الرغبة في الفهم الصحيح.
فلو أن السيد عبد الغني كلف عقله عناء الفهم قبل أن يستكثر علينا هذه العبارة لفهم أننا لم نذكر فيها كلمة واحدة يتأتى حذفها بغير إخلال بالمعنى المقصود.
فتحقيق الملكة الشعرية لا يكون بالرجوع إلى صغار الشعراء ولا أوساط الشعراء، ثم هو لا يكون بالرجوع إلى كبارهم في قطر واحد، لأن التقاليد الموضعية قد تولع بعض الشعراء في قطر من الأقطار بأسلوب لا يرتضيه كل شاعر كبير. ولا سبيل إلى التحقق من الملكة المطبوعة إلا إذا عرضناها على (كبار الشعراء في العالم كله) وعرفنا حظها منهم أو حظهم منها، فتعرف هل هي عرض في شعرهم أو هي أصل صميم.
فللشعراء الكبار في العالم كله دخل في هذه المسألة ولم نقحمهم نحن ثمة لغير مناسبة ولا دلالة. وإذا كان السيد عبد الغني يفهم أننا نتكلم فيما لا نعلم حين نتكلم عن كبار الشعراء في العالم كله فليس له علينا حق الحمد والتسبيح، ولا حق الإطراء والمديح!
وأغرب من السيد عبد الغني حسن في تصحيحاته وتهويلاته سيد آخر من بيروت يدعى