قال: لن تستطيع أن تصنع شيئا في هذه الأيام. فالأحكام العرفية تملك أن تنقلك إلى أي مكان، وأن تلزمك الإقامة في هذا المكان، حتى لو استقلت من الحكومة! فخير لك أن تقيم فيه موظفا، ولا تقيم فيه منفيا!
قلت: معذرة يا سيدي الدكتور؛ فإني أفضل أن أقيم هناك منفيا! ثم. . . ثم. . . إنني سأكون بطلا في عهد الوزارة القادمة!
(ولم لا؟ ألم تتدهور البطولة عندنا حتى صارت تكتسب بالنقل إلى جهة نائية في عهد من العهود، أو بالتخلف عن درجة استثنائية كالزملاء!).
وقال الرجل:
- أتنفي لي أنك أتيت ما نسب إليك؟
- قلت: وهل أدري ما ينسب إلي؟
- قال: أشياء، جلست في بار اللواء، وقلتها لبعض الجالسين والأصدقاء عن بعض الوزراء! ومعارضات سرية للعهد الحاضر تنفيذا لخطة حزبية معينة.
- قلت لقد اعتدت أن أنشر آرائي، وأن أوقعها بإمضائي. فليس من عادتي أن أثرثر في المجالس بشيء! أو أن أعمل في الخفاء!.
- قال: وأنت عندي مصدق. فدع لي الأمر. وسأحدث أزمة من أجلك لو اقتضى الحال!.
ووفق الرجل بين أريحيته الكريمة وتشدد الوزير. فكلفني أن أقوم بمهمة تفتيشية في الصعيد لمدة شهرين اثنين، أختار فيها من الجهات والمدارس ما أشاء، وأكتب له تقريرا شاملا عن دراسة اللغة العربية في المدارس على اختلافها، وأفصل اقتراحاتي في إصلاح هذه الدراسة بصفة عامة!.
ووجدت في ذات المهمة ما يغري، وفي أريحية الرجل ما يخجل. . . فنفت التكليف.
نفذته متناسيا - بل ناسيا - تلك المهزلة، مهزلة الاتهام. لقد أخطأ الوزير. أخطأ، فلم أعد أجد في حزب من هذه الأحزاب ما يستحق عناء الحماسة له والعمل من أجله. كلهم سواء أولئك الرجال! رجال الجيل الماضي. للجميع عقلية واحدة لا تصلح لهذا الجيل - عقلية أنصاف الحلول - كلهم نشأوا وفي قرارة نفوسهم أن إنجلترا دولة لا تقهر؛ وأن الفقر مرض مستوطن. . وكلهم يؤمن - إن كانت قد بقيت لأحد منهم طاقة الإيمان بشيء - أن