للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الأرض الطهور التي تمتد حتى تصل إلى بلاد ما سمع بها. . . أين ضيقه من سعتها، أين ظلمته من نورها، أين سقفه الواطى من سمائها العالية. .؟ إنه الحد في دينه وخرج من المعبد وقد حرم عليه الخروج منه فلن يعود إليه أبدا. أيعود الجنين إلى بطن أمه بعدما رأى بياض النهار ورحب الكون؟ أيعبد مرة ثانية تلك الآلهة ذوات الوجه البشع المخيف بعد ما عرف رب الأرباب وخالق كل شيء. . .

لا. لقد ماتت ديانة المعبد ومرت أيامها، فهل لما مر مآب، هل يعود أمس الغابر؟

وإنه لفي تفكيره، وإذا الجو يموج بصليل الأبواق ويرتجف من إرعاد الطبول، ونظر فإذا الرايات تلوح على حواشي الأفق القريب فسأل: ما هذا؟ قالوا: لقد نفذ الحكم وانسحب الجيش.

هذا الجيش الذي لم يقف في وجهه شيء من مدينة يثرب إلى سمرقند، والذي اكتسح جيوش كسرى وقيصر وخاقان ردته كلمة من شيخ هزيل خافت الصوت، ليس معه إلا غلام بعد محاكمة لم تستمر إلا دقائق، ولكنه سينذر وسيعود إلى القتال، أفتقوى سمرقند على ما عجزت عنه الممالك كلها؟ أترد صخور هذا المعبد سيل الحق الدافق، وتأكل ظلمته نور الإسلام؟

لا. لقد قضى الله أن يمحو الفجر سدفة الليل. لقد أطل على العالم يوم جديد، فلن نتوارى من نور هذا اليوم في ظلمة المعبد.

وأقبل يسأل أصحابه: ماذا تقولون؟

فيقول السمرقندي المسلم: أما أنا فلقد شهدت أنه لا إله إلا الله، وأم محمداً عبده ورسوله.

فيقول الكاهن: وأنا أشهد.

وتتزلزل سمرقند بالتكبير. . . ويعود الجيش المسلم إلى البلد المسلم، لم يبق حاكم ولا محكوم، صار الجميع إخوانا في الله!.

علي الطنطاوي

<<  <  ج:
ص:  >  >>