للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

قاضي المسلمين؟ وانطفأت آخر شعاعة من الأمل في نفوس الكهنة. ونادى الغلام، باسم قتيبة بن مسلم، هكذا بلا إمارة ولا لقب، فجاء حتى جلس بين يديه، ونادى باسم كبير الكهنة فأجلسه إلى جانبه.

وابتدأت المحاكمة. . .

وتكلم القاضي فإذا صوته يخرج خافتا ضعيفا فقال للكاهن:

- ما تقول؟

- قال: إن القائد المبجل قتيبة بن مسلم قد دخل بلدنا غدرا من غير منابذة ولا دعوة إلى الإسلام:

- قال القاضي لقتيبة: ما تقول؟

- قال: أصلح الله القاضي، إن الحرب خدعة، وهذا بلد عظيم قد أنقذه الله بنا من الكفر، وأورثه المسلمين.

- قال أدعوت أهله إلى الإسلام، ثم إلى الجزية، ثم إلى القتال؟

- قال: لا.

- قال: إنك قد أقررت، وأن الله ما نصر هذه الأمة إلا باتباع الدين واجتناب الغدر. وإنا والله ما خرجنا من بيوتنا إلا جهادا في سبيل الله. ما خرجنا لنملك الأرض ولا لنعلو فيها بغير الحق. حكمت بأن يخرج المسلمون من البلد، ويردوه إلى أهله، ثم يدعوهم وينابذوهم ويعلنوا الحرب عليهم.

ورأى الكهنة وأهل سمرقند وسمعوا، ولكنهم كذبوا عيونهم وآذانهم أنهم في حلم، ولبثوا شاخصين، حتى أن أكثرهم لم يلحظ أن المحاكمة قد انتهت وأن القاضي والقائد قد انصرفا، وجعل صاحبنا السمرقندي المسلم ينظر في وجه الكاهن الأكبر، فيحس أن نور الحق قد أشرق على قلبه الذي رققته العزلة والتأمل، وكان الكاهن ينظر إلى عالمه الذي طالما أحبه وآثره فيراه عالما ضيقا مقفرا، وينظر إلى دنيا الإسلام فإذا هي خصبة واسعة مزهرة بالخير والعدل والجمال، وما عالمه؟ فجوة معتمة وسط الصخر الأصم لا يبلغها شعاع الشمس ولا ضياء القمر ولا زهر الربيع ولا جمال المجد ولا جلال الإيمان. . .

وسطع النور في قلبه فرأى أن ديانته كهذا المعبد، فأين هذا المعبد من معبد الإسلام، وهو

<<  <  ج:
ص:  >  >>