للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وإن كان معروفا بالفجور فحبسه أولى من حبس المجهول، ويسوغ ضرب هذا النوع من المتهمين عند كثير من العلماء، وقيل لا يضرب المتهم.

أضف إلى ذلك ما حفلت به كتب الفقه من تعدد آراء الفقهاء واختلافهم في المسائل الاجتهادية حتى في العبادات، مما يدل على خصب الشريعة الإسلامية وتقبلها لاختلاف الرأي فيما يصح فيه الاجتهاد.

فهل الشريعة الحرة التي فيها رغب وسعة، والتي تجود بمثل هذه الآراء، ويترعرع في أحضانها وفي ظل مبادئها وقواعدها وأصولها أئمة الاجتهاد وأعلام الفقه والتشريع - ترمي بالنقص، وهي تصلح أن تكون مرجعا للحكام يأخذون منها ما يناسب الأحوال في كل عصر ومكان!!

ومما يدحض أيضاً شبهة نقص الشريعة اتساع باب التعزيز والعقوبات فيها: فإن المعاصي ثلاثة أنواع: نوع فيه حد ولا كفارة فيه كالزنا والسرقة وشرب الخمر والقذف، ونوع فيه كفارة ولا حد فيه كالقربان في الإحرام وفي نهار رمضان؛ ونوع لا كفارة فيه ولا حد كالنظر إلى الأجنبية واليمين الغموس عند الإمامين أبي حنيفة وأحمد.

فالنوع الأول لا تعزيز فيه لوجوب الحد، وفي الثاني قولان للفقهاء - أما الثالث ففيه التعزيز وجوبا عند الأكثرين، وجوازاً عند الشافعي.

والتعزيز يختلف باختلاف الجرائم، وبحسب حال المذنب نفسه، ولذلك قد يكون بالتوبيخ والزجر بالكلام، ومنه ما يكون بالحبس أو بالضرب أو بالنفي عن الوطن، وقد يكون بالقتل. وللفقهاء أقوال أربعة في صفة التعزيز وقدره، وقد بسطنا القول في ذلك في العدد ٦٤٨ من الرسالة. ومن هذه الأقوال أن التعزيز موكول إلى اجتهاد ولي الأمر يقدره وفق المصلحة وعلى حسب الجريمة.

وبعد فماذا ترى فيما سقته لك من النصوص والمذاهب والآراء الفقهية في العقوبات التي تدخل في باب التعزيز، وفي غير العقوبات من الأحكام الاجتهادية الأخرى؟

ولا ريب أن كل منصف يحكم بكمال الشريعة وسعتها، وأنه لا عذر لمن يترك شريعة الإسلام إلى غيرها من القوانين.

وبطلت بذلك دعوى الجاهلين أو الخراصين وهي أن الشريعة لا تستطيع أن تمد الحاكمين

<<  <  ج:
ص:  >  >>