بغلبة الجسد أبداً وتسلطه على العقل والحكمة وهو الذي تسلط جسده مرة في فورة من فوراته على حكمته الوثيقة وعزمه الطويل، وإنما يعبر بهذا الإنكار عن ثورته الكامنة في نفسه على الجسد وقد بقى هذا المعنى في حسه حتى كان حديث غواية آدم في (الفردوس المفقود) وما كان لسحر المرأة من أثر في هذه الغواية.
وساق ملتن هذا المعنى إلى معنى آخر، وذلك أن الشر هو أن تتغلب العاطفة على العقل وأن يضل الوجدان البصيرة، أما العاطفة في ذاتها والوجدان في ذاته فلا ضير منهما، ولا يحق اعتراض سبيلهما إلا أن يطغيا على الحكمة؛ فإن لم يفعلا فليتخذا جمراهما طليقين. . .، وما كانت قصة هبوط آدم من الجنة إلا قصة تسلط العاطفة على العقل.
ويطبق ملتن ذلك على الزواج فيقول إنه إذا لم يتم التوافق العاطفي بين الزوجين، فإن الاتصال الجسدي ضرب من انحطاط البهيمية حتى مع الزواج؛ وعلى ذلك فإن الإحساس بفقدان الميل بين الزوجين أو بالقصور العقلي من أحدهما تلقاء الآخر، أو بتنافر العقلين، تلك العلل التي يكون مردها إلى أسباب في طبيعة النفس لا يمكن تغييرها، إنما هي مبررات للطلاق أوجه من الجمود وأحق، فالطلاق أمر يرد من حيث مشروعيته إلى ضمير الإنسان، ولا وجه عنده لأن يخضع الإنسان لعبودية قانون الكنيسة الذي يجعل الإثم المادي أعظم من الآثم العقلي والروحي وأشد خطرا.
ولا يسع من يقرأ هذا الكتيب إلا العطف على الشاعر إذ يعبر عن مقدار ما يحيق بالنفس من عذاب إذا مني المرء بالفشل في زواجه ولم يتح له ما يتطلع إليه من وراء الزواج (من حديث طيب ملؤه السرور بين الرجل والمرأة يريحه وينعش نفسه بعد ما ذاقه من مساوئ العزلة) وما أشد ألمه وأقسى خيبته (إذا كان نصيبه زوجة خرساء لا روح لها فانه يظل أكثر من عزلة من ذي قبل، ويبقى في تحرق وشوق أشد على طاقة المرء من التحرق الجسدي وأدعى منه إلى التفكير فيه والاهتمام به)، ويصف الشاعر هذا التحرق وصفا شعريا بقوله (أن الماء الغزير لن يطفئه لا ولا الفيض يغرقه)، وفي التطلع إلى مثل تلك السعادة الزوجية وإلى مثل ذلك الحب الصحيح (يقضى المرء أيام شبابه وليس فيها ما يلام عليه)، ويجهل بذلك كثيرا مما كان خليقا أن يرشده متى شاء أن يختار زوجة فيدع هذه ويأخذ تلك عن بينة كما يفعل عند الزواج من قضوا صدر شبابهم فيما لا يخلو من اللوم ثم