إذا به يجد نفسه (مقيدا قيدا وثيقا إلى من لا تجاوب بينها وبينه ولا تواؤم بين طبعها وطبعه، أو كما يحدث غالبا إلى صورة من الطين تطلع من قبل ليكون شريكها في اجتماع حلو ملؤه الفرح، ويجد في النهاية أن قيده لا انعتاق منه؛ ومثل هذا حتى لو كان أقوى مسيحي فانه لا مناص على أهبة أن ييأس من الفضيلة ويقنط من رحمة الله، وهذا بلا ريب سبب ذلك الفشل، وذلك اليأس الحزين الذي نراه في طائفة كثيرة ممن يتزوجون)، ويصور ملتن بخيال الشاعر مقدار ما يكون بين زوجين في مثل تلك الحالة من خلاف بقوله:(حين تتنافر أفكارهما وروحاهما وتتباعدان كلاهما عن الآخر كبعد ما بين الجنة والجحيم).
ويتساءل ملتن كيف يتسنى الاختلاط الجسدي الوثيق بين زوجين يكره أحدهما الآخر كرهاً شديداً فعالاً، ويود لو يعتزله اعتزالا ثم هو يعيش معه أبداً؟)؛ وينزه ملتن الله عن أن يكون ذلك قصده من الزواج فيقول:(هل فتح الله لنا ذلك الباب الذي يكون منه الخطر والمباغتة، باب الزواج ليغلقه من دوننا كما يغلق باب الموت فلا تراجع ولا أوبة؟)، ويعود إلى تصوير ما يؤول إليه مثل ذلك الزواج الفاشل فيقول (لا بد أن يفضي ما لم تقع معجزة من معجزات الصبر في كلا الجانبين، لا إلى ألم مرير، وحنق شديد فحسب، وهما مما يوبق الإذعان لله، بل إلى استهتار يائس فاجر، إذ يجد المرء نفسه في غير ذنب من جانبه قد جرته نوبة من الخداع إلى فخ من فخاخ الشقاء).
وماذا عسى أن يصنع من مني بمثل هذا الجد العاثر؟. . . أيتسلل إلى سرير جاره كما يتبع عادة في مثل هذه الخيبة؟ أم يدع حياته النافعة تذهب هباء فيما لا يجدى؟ كلا؛ إن الأقرب إلى الرجولة أن يقضى على شقائه بالطلاق، فانه إن بقى على ما هو عليه ولم يستطع أن يحسب جلب على نفسه جديدا من الضر، ولذلك فإن من يعمل على فصم تلك العروة إنما هو ذلك يعلي قدر الحياة الزوجية ولا يقبل أن يشينها.
ويرى من يقرأ كتيبه هذا أن الناحية العاطفية أقوى فيه من ناحية المنطق، ومرد ذلك إلى أن الشاعر إنما يصف ما عانى من ألم نتيجة لما رزئ به من خيبة، فهو يتحدث حديث الخبير، كما أن حديثه هو إلى الشكوى أقرب منه إلى الدرس وفي ذلك سحره وقوته.
ولئن أبت عليه كبرياؤه أن يشير إلى ذلك، فإن من يقرأ عباراته وليس يعلم قضية زواجه خليق أن يحس تلقاء ما تزخر به من حياة وحرارة أنها متنفس نفس متألمة، وشكاة قلب