ومن المرجح أن هذه الطريقة في الغزل لم يكن منشؤها العادات الاجتماعية في ذلك العصر؛ لأن المرأة كانت منحطة، ولأن الفروسية تأبى أن تفرض على رجالها هذا النوع من التصنع العاطفي لمنافاته للروح الحربية ومخالفته مثل الكمال التي فرضتها الكنيسة في تلك العصور.
وبقيت هذه النظرية قائمة حتى القرن التاسع عشر عندما قام النقاد يطلبون وثائق خطية وعندما أخفقوا في إيجادها تحولوا إلى الطرف الآخر وقالوا بنفيها.
أما الأبحاث الحديثة فقد بينت لنا أن الشعراء المغنين تروبادور في فرنسا قد أخذوا من الأندلس أساليب الغزل الجديدة.
قال الأستاذ (جب) في تراث الإسلام في القرن الحادي عشر بلغ الشعر قمة ازدهاره بعد أن مرت عليه قرون طويلة يتابع فيها نموه، والغزل لا يزال أكثر أنواعه شيوعا يفتتحون به كثيرا من قصائدهم. هذه كانت طريقة الجاهليين تبعها الشعراء في عصور التمدن الإسلامي. إذ ذاك كثر الشعر الغنائي وصقلته المدنية، وزادته أناقة ورقة مصطنعة، وأصبح الغزل في أقصى حالاته نوعا من التصوف. وفي وسط هذا التهوس ظهر الشعراء العذريون ونظريتهم الأفلاطونية التي وجدت في الأندلس مرتعا خصبا، وأشهر من دان بها ابن حزم صاحب (طوق الحمامة) الذي عدها من وسائل تزكية النفس.
هذه الروح الرومانطيقية المغالية هي التي انتقلت إلى منشدي القرون الوسطى وشعراء الغرب الغنائيين وولدت فيما بعد الشعر الخيالي. أما كيفية انتقالها فيقول الباحثون إن ذلك جرى بواسطة الزجل أو الشعر العامي الذي استنبطه عرب الأندلس، وأدخلوا فيه شيئا من روح الشعر الغربي وأسلوبه، فنسج على منواله الأسبانيون، وأصبح هذا الرجل الشعبي حلقة الاتصال بين الشعر الغربي وشعر أوربا الجنوبية. لقد عثروا مؤخرا على مجموعة أشعار أسبانية من نوع (الفيلانسيكو) وهو الشعر العامي الذي لا يختلف عن الزجل العربي، والمجموعة لابن قزمان الذي عاش في أوائل القرن الثاني عشر. وكل ما في شعره يدل على أصل عربي إلا اختلافا قليلا في طريقة الوزن الذي يعتمد على الحركات لا على المقاطع كالشعر الإنكليزي.