وأخيرا كل القرائن تجتمع لتظهر أن هذا الغزل الجديد بروحه وطريقته كان مصدره الغزل العربي في الأندلس، ولا يخفى أن الغزل شاع في الشعر العربي من أقدم عصوره.
في صقلية وإيطاليا:
ولم ينحصر تأثير الشعر الأندلسي في فرنسا فحسب، بل تعداها إلى إيطاليا وصقلية، ولقى الشعر العربي مشجعا من الملوك والأمراء النرمنديين فقد استعمل الشعراء الإيطاليون أوزانه لنظم أشعارهم إلا أن (بترارك لم يرق له هذا الأدب الدخيل فثار عليه وعلى العرب في كتاباته.
ومن النواحي التي أثر فيها الأدب العربي: ناحية القصص والأمثال فقد ثبت مؤخرا لدى الباحثين أن كثيرا من القصص والأمثال في ألمانيا وفرنسا ترجع إلى أصول عربية، وكما انتقلت الألفاظ على ألسنة السواح والتجار، والمحاربون من الصليبين كذلك تنوقلت القصص والحكايات والأمثال إلى آدابهم، ويرجح أن أبوكاشيو قد نقل حكاياته الشرقية من مصادر شفهية.
ومن البديهي أن الأدب العربي مليء بالأمثال والقصص ذات المغزى الأخلاقي والأدبي الذي تسرب بعضه - فيما أعلم - من مصادر هندية أو فارسية أو يونانية، ولقد صادفت هذه الأمثال قبولا مرضيا عند الغربيين فنقلها اليهود استحسانا إلى الآداب الغربية، من ذلك كتاب السندباد المتحدر من أصل هندي؛ ثم مجموعة حكم وأمثال، وأقوال فلسفية ترجمت إلى الأسبانية واللاتينية أو غيرهما. وهذان الكتابان كان لهما أثرا خاص في النثر الأسباني الذي اعتمد على النثر العربي في أول عهده وكانت الترجمة الأولى لكتاب (كليلة ودمنة) في أوربا من العربية إلى الأسبانية. أما في باقي اللغات فقد نقل عن ترجمة لاتينية قام بها أحد اليهود ثم انتشرت في الأقطار الأوربية.
وأخيرا وصلت بعد تغيير وتحوير إلى اللغة الفرنسية تحت اسم جديد أمثال (بيدبا) المنقولة رأسا عن الفارسية وكانت أحد المصادر التي استقصى منها لافونتين الشهير أمثاله الموضوعة على ألسنة البهائم.
وعرف الأسبان فن المقامات عند العرب فنسجوا على منوالها في بعض رواياتهم، وفي جملة ما وضعوه كتاب يدعى (الفارس سيفار) يروي سلسلة مغامرات مقتبسة من أصول