ولا نزال نرقب الباحثين في إثبات ما لرسالة الغفران من التأثير في الآداب الغربية، إذ المظنون أنها كانت أحد العناصر التي أدخلها (دانتي) في تأليفه رواية (الكوميديا الآلهية).
ثم كان عصر الانبعاث، وهو عصر إحياء الآداب اليونانية القديمة والانصراف عما سواها، ولم يلبث الناس أن سئموا الأنظمة البيانية وجنحوا إلى الخيال والألوان. ففي سنة ١٧٠٤ ترجمت روايات ألف ليلة وليلة) إلى الفرنسية وكان هذا نتيجة للأسفار، وبدء الاستعمار في الشرق ونتيجة انجذاب الغربيين بسحر الشرق الذي مازال يستهويهم بغرائبه وأسراره وألوانه الزاهية قال مارتان في كتابه:(الشرق في الأدب الفرنسي) إن دراسة الشرق في أوربا ابتدأت في القرن السابع عشر، وتكونت ونمت في القرن الثامن عشر الذي يعد بحق عصر الأدب الشرقي في أوربا. هذا القرن الذي كثر فيه البحث العلمي الجاف، وكثرت فيه الويلات والانقلابات فكان أهله متعطشين إلى الخيال، ولذا كثر فيه التأليف في موضوعات شرقية وامتلأت الروايات بأبطال شرقيين، فوضع (راسين) مثلا روايته بايزيد ثم ظهرت روايات (فولتير) التمثيلية الشرقية والرسائل الفارسية لمونتسكيو وفي إنكلترا ظهرت (رؤيا مرزا) و (راسلاس).
على أن هذه التآليف المقلدة كانت على جانب من الضعف والركاكة، ولهذا يهملها تاريخ الأدب العربي لأنها شوهت قسما من صفحاته. وكان لحركة الاستشراق التي بدأت في فرنسا صدى في أوربا، وكانت ألمانيا أسبق الجميع إلى اقتباس بعض مظاهر الأدب الشرقي. وقام كثيرون من شعراء ألمانيا (الرومانطيقيين) يستوحون الخيال الهندي والفارسي وكان قائد الحركة هردر وبعد وكان (جوته) أول من اعتمد الأسلوب الخيالي الشرقي لأنهم أرادوا أن يتعزوا بالخيال عن الحقائق المؤلمة. على أن تآليفهم الأدبية لم تكن ذات قيمة تذكر لأن التقليد غلب عليها، إلا أنها أدت للأدب خدمة جلى إذ فتحت للأدباء بابًا جديداً ما يزال يلجه الكثيرون.
أما في فرنسا، فقد كتب (فكتور هوجو) قصائده المعروفة (بالمشرقيات) وصدرها بهذه الجملة (في عهد لويس الرابع عشر كان جميع الناس (هلينيين) أي طلاب الثقافة اليونانية؛ أما اليوم فجميعهم مستشرقون أي طلاب للثقافة الشرقية)، لكنه مع شغفه بالثقافة الشرقية لم