تبلغ معرفته بها الحد الذي وصل إليه الكتاب الألمان أمثال غوتي وسواه.
وفي إنجلترا نرى نفس هذه الحركة التي تهتم بالسطحيات، ولا تتغلغل إلى جوهر الأشياء؛ فهناك قام سكوت يسعى لإبراز رواياته الشرقية بحلة شرقية. واقتدى به غيره من الروائيين، وتبعه في ذلك بيرون قبل ذلك، ونجح في تحبيب الشرق إلى الغربيين، وتبعه في ذلك مور في روايته.
ففي هذه الأحوال جميعها أخطأ أدباء الأدب الغربي فهم الأدب الشرقي، واستعملوه للتزيين والتلوين أي أخذوا منه القشور وأنكروا الحقائق المنطوية تحتها، وأعرضوا عن الميراث المعنوي الذي قدمه الشرق للعالم. ومع هذا فالقرن التاسع عشر لم يعدم كاتبا يبين لنا الصلة الجوهرية بين الشرق والغرب في شخص فتزجرلد فنقل (رباعيات عمر الخيام) إلى الإنكليزية، وقد أبدع في نقلها حتى قيل إنها إنكليزية بقدر ما هي فارسية.
الخلاصة:
هناك ثلاثة أدار ظهر فيها تأثير الأدب الإسلامي في الغرب وجاء بنتائج متماثلة إن لم تكن متعادلة. أولها في العصور الوسطى، ثم بعد مرور عصر الانبعاث في القرن الثامن عشر، ثم في القرن التاسع عشر، وكان التأثير على أشده في القرون الوسطى عندما اقتبس الغرب عن الشرق بعض العناصر الفنية التي دخلت في تكوين أدبه. أما بعد سيادة الأدب اليوناني فلم يأت الاحتكار إلا بنتائج ضئيلة، وكانت المنتجات الأوربية الشرقية أشبه شئ بنوادر أو تحف غربية تثير الفضول ولا تتعدى التقليد. هذا في القرن الثامن عشر، أما في القرن التاسع عشر فقد ظهر في ألمانيا حركة مثمرة لم تدم طويلا. وفي سائر أوربا كان الناس في القرن الماضي ينظرون شزرا إلى كل ما هو أجنبي. وقد أسكرهم التبجح بالسيادة العالمية. أما في القرن الحالي فقد أخذوا يغيرون وجهة نظرهم، ويشعرون أن دائرتهم مهما اتسعت فهي أضيق من أن تشغل العالم بأسره، وتأكدوا بأن هناك خارج منطقتهم كنوزا يجب أن تكتشف.