ارتبكت المرأة لهذا الإطراء المفاجئ وأجابته مبتسمة - أأنت شاعر؟
قال - كلا، لست شاعرا، ولكني أعبد الفن. . . أنا عربي أومن بأن ليس للفن والجمال حدود عنصرية أو إقليمية. . . فبيتهوفن معبود العالم بأسره، وروفائيل سيد الرسامين، وآينشتين يعترف بفضله كل مخلوق. . . و. . .
وإذا برجل مديد القامة عريض المنكبين يقطع على (عزيز) خياله، ويتطلع في وجهه مبتسما. . .
قالت المرأة للشاب - هذا زوجي. . .
وقالت لزوجها - إنه فنان عربي. . . ظن أنني قوزاقية ولم يدر بخلده أني من كوينسبرج. . .
قال الزوج - يسرنا جداً أن نتعرف إلى شاب عربي. لقد قضينا عشر سنوات في تل أبيب لم نزر خلالها مدينة يافا قط. . . نحن نسمع عنكم ولا نراكم. والواقع أننا نوهم أنفسنا في هذه المدينة بأننا لم نخرج من أوروبا قط، فترانا ننشئ بيوتاً غريبة الطراز، ونعيش في المقاهي. . . أي إننا لا نكون في بيوتنا إلا وقت تناول الطعام والنوم. . . وإذا ما مللنا المقاهي تجولنا في الشوارع أو ذهبنا إلى دور السينما والموسيقى. . . ونحن على الجملة نشعر في حياتنا خارج منازلنا كما لو أننا في منازلنا. . . فنساؤنا يسرن في الشوارع وهن يرتدين عباءة البيت أو السراويل الفضفاضة، أو لباس البحر. أجل هكذا نعيش، أما يافا فاقسم لك بأن كثيراً منا لا يعرف بالضبط أتقع هي في جنوب تل أبيب أم في شمالها. أرجو المعذرة على هذه الغباوة التي هي أشبه بحلم لذيذ.
وبعد لحظات كان الأربعة يجلسون حول مائدة واحدة، وقدم (عزيز) زميله إلى الزوج وزوجه بوصفه كاتبا مفكرا يعني بتصوير الحياة أكثر من عنايته بهندامه. . .
وتوالت الأنخاب، وأظهر الثرى القروي كرمه الحاتمي، فذهلت السدية البروسية، وارتاح لهذا التعارف السعيد. . . ودارت بينهم أحاديث منوعة تخللتها النكات الموفقة والتافهة، وافترقوا على أن يكون اللقاء في اليوم التالي، في بيت (عزيز) بيافا لتناول الغذاء. . .