للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أن السعر ارتفع إلى نحو الضعف فقدرت في شأن الصفقة ما لابد من تقديره، وأيست من العربون، ودخلت بيتي مهموما محزونا. ولم أكد أطمئن زوجتي على حالي، حتى قدمت إلى برقية بتوقيع أبيك نصها: (نقدر أنك تأخرت لسبب قاهر، فاطمئن. البضاعة لك) ولم أصدق ما قرأت، وتخالجتني الريب، أتكون خدعة من أحد عرف بالأمر؟ أتكون سخرية من سمار شامت؟ أتكون. . أتكون. .؟ وقدمت على أبيك في متجره توا، ومعي مصوغات امرأتي وبناتي، ووجه الأمل يبيض في وجهي حينا ويسود حينا فإذا بأبيك يستقبلني مبتسما كأن لم يكن تأخير، وكأن لم تكن شروط لصالحه.

وعرضت عليه - وكرمه الرائع يبهرني - أن يشاركني ربح الصفقة، فرد في شدة كريمة: هذا لن يكون!! وكانت هذه الصفقة بالذات بدء تقدمي في الحياة.

وأخرج الرجل من حافظته برقية كاد البلى يتلفها، وأطلع عليها (فؤاداً). فأمعن فؤاد النظر إليها في استغراب بالغ. إنها من أبيه حقا، وان عليها لخاتم مصلحة البرق في المدينة من حوالي عشرين عاما حقا. واستطرد الرجل قائلا: هذه يا بني شهادة العظمة في أبيك. وإني لأحتفظ بها تقديرا لمأثرته، بل تبركا بمروءته.

وربت الرجل كتف فؤاد وهو يقول: كفكف دموعك يا بني، هذه قصة أبيك، ألا ترضى بها عزاء!

ورفع فؤاد رأسه الخافض، وابتسم في رضى وازدهاء، وكأنه أمسك بزمام مستقبله ومستقبل ذويه، وكأنما أضاءت الظلمات، وكأنما شاهد عناية الله تشجعه وتحف أخوته وتكلؤهم جميعاً.

وختم المقرئون السهرة، فنهض المعزون وفيهم الرجل وخف فؤاد إلى الباب يشكر لهم مواساتهم، وما انصرفوا حتى صعد إلى أمه وأخوته وأخواته، يقفز إليهم السلم قفزا غير خاش دموع أمه التي كانت تحز قلبه، ولا وجل من إجهاش أخواته الذي كان ينهدم له انهداما، صعد غير متعثر ولا مضطرب ونادى:

يا أولادي! - هكذا ينادى فؤاد الآن أسرته - جاءنا العزاء! هاكم قصة أبيكم، لكم من روحه قدوة ووحي وإمام وأسمعهم القصة. . .

ونظر بعضهم إلى بعض في زهو وكأنما امتلئوا قوةً انبثق الأمل في نفوسهم انبثاقا، كأنما

<<  <  ج:
ص:  >  >>