وجاء رجل لا عهد لفؤاد به تحف به شمائل الطيبة وينم مظهره عن يسار؛ جاء يسأل: أليس هذا هو بيت المرحوم الشيخ حامد أبو إبراهيم؟
- بلى هو، تفضل. . .
ودخل، هو يهتف بالجالسين: عظم الله أجركم!
وشرب القهوة، ثم اتجه بوجهه إلى فؤاد الذي كان إلى جواره وسأله: أنت كبير أخواتك يا بني!
- نعم.
أجمل الله عزاءكم يا حبيبي، ورعاكم الله الكريم! لقد قرأت نعي أبيكم العظيم في الجريدة، فآثرت الحضور بنفسي لقضاء حق التعزية.
ودهش فؤاد للنعت الكبير الذي يضفيه الرجل على أبيه، فمتى كان مثل أبيه عظيما وهو الرجل الذي مات ولم يخلف ثروة تدفع الخجل على الأقل أمام رجال المجلس الحسبي؟ ان العظيم في المجتمع هو الذي يورث ذريته بيوتا وطينا وغلاة وجواميس وحميرا، ولكن أباه أفنى كل شئ قبل سفرته البعيدة. لقد مات وماله ما يخلد ذكره أو حتى ما يكفل ذكر اسمه يوما، ولقد ترك من خلفه ذرية ضعافا يخاف عليهم. . .
ووضع الرجل يده على كتف فؤاد، واتجه به إلى منظرة ليس فيها زحمة، وحدثه: اسمع يا بني، إن مصابكم كبير حقا. لقد عرفت أباك لأول مرة منذ عشرين عاما. والظن أنك لا تعرف ذلك. كان أبوك وقتئذ عنوان التاجر الناجح ولو أنه كان محدود رأس المال. وجئت إليه اشترى صفقة أرز، ولم يكن معي غير مائتي جنيه أملت أن أدفعها له عربونا عن الصفقة على أن أبيعها حالا فأتمكن من أداء حقها والانتفاع بربحها. وتضمنت الشروط أن أدفع باقي الثمن في عشرة أيام وإلا صار العربون حقا له. وإذا تحسنت الأسعار فله أن يعتبر البيع باطلا ذلك يا بني كان وما زال العرف التجاري السائد.
وخطر لي فجأة السفر إلى الإسكندرية لبيع الصفقة الكبيرة ففجأني حادث اصطدام أدخلني المستشفى شهرا لم يدر خلاله أحد من أهلي أو معارفي شيئا عني. وكنت لاقيت الحادث في أجل مستأخر فسلمت.
وغادرت المستشفى إلى بلدي، فكيف كانت السوق وقتئذ؟ لقد عرفت والحسرة تقطع فؤادي